Собрания султана Гури: страницы из истории Египта X века по Хиджре
مجالس السلطان الغوري: صفحات من تاريخ مصر في القرن العاشر الهجري
Жанры
مقدمة
كتاب نفائس مجالس السلطانية في حقائق أسرار القرآنية
المقدمة في كلام السلاطين ذوي الاقتدار في فضل العلم
الروضة الأولى في مجالس رمضان
الروضة الثامنة في مجالس شوال
الروضة الثالثة في ذكر المجالس التي وقعت في ذي الحجة
الروضة الخامسة في المجالس التي وقعت في شهر صفر
الروضة السادسة في مجالس ربيع الأول
الروضة السابعة في مجالس ربيع الآخر
الروضة الثامنة في مجالس جمادى الأولى
Неизвестная страница
الروضة التاسعة في مجالس جمادى الآخرة
الروضة العاشرة في مجالس شهر رجب
خاتمة الكتاب
الكوكب الدري في مسائل الغوري
الكوكب الدري
مقدمة
كتاب نفائس مجالس السلطانية في حقائق أسرار القرآنية
المقدمة في كلام السلاطين ذوي الاقتدار في فضل العلم
الروضة الأولى في مجالس رمضان
الروضة الثامنة في مجالس شوال
Неизвестная страница
الروضة الثالثة في ذكر المجالس التي وقعت في ذي الحجة
الروضة الخامسة في المجالس التي وقعت في شهر صفر
الروضة السادسة في مجالس ربيع الأول
الروضة السابعة في مجالس ربيع الآخر
الروضة الثامنة في مجالس جمادى الأولى
الروضة التاسعة في مجالس جمادى الآخرة
الروضة العاشرة في مجالس شهر رجب
خاتمة الكتاب
الكوكب الدري في مسائل الغوري
الكوكب الدري
Неизвестная страница
مجالس السلطان الغوري
مجالس السلطان الغوري
صفحات من تاريخ مصر في القرن العاشر الهجري
تأليف
عبد الوهاب عزام
السلطان الغوري.
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
اطلعت منذ سنين على كتاب في دار الكتب المصرية اسمه «الكوكب الدري في مسائل السلطان الغوري»، يتضمن آراء السلطان الغوري آخر سلاطين المماليك المصريين في مسائل من الفقه والتفسير وغيرهما عرضت في مجالسه. والكتاب نسخة مصورة عن نسخة في إستانبول هي نسخة السلطان التي كتبت له في القاهرة وأهديت إلى خزانة كتبه.
قرأت الكتاب وتقريت سيرة السلطان في العلم والأدب، فعثرت على أبيات له بالعربية والتركية، وألقيت محاضرة في الجمعية الجغرافية موضوعها «مكانة السلطان الغوري في العلم والأدب»، ثم دأبت على استقراء سيرة هذا السلطان، فأخبرني بعض العلماء أن الشاهنامة ترجمت نظما إلى التركية بأمر الغوري، وأن نسخة من هذه الترجمة في إحدى دور الكتب بإستانبول، فكتبت إلى أحد العلماء هنالك فأجابني أنه لم يجد الكتاب في المكتبة التي سميتها له، ومرت سنوات قبل أن أعثر في مكتبة الأمير إبراهيم حلمي - التي أهداها الملك فؤاد رحمه الله إلى مكتبة الجامعة المصرية - على مجلد فيه نصف الكتاب المفتقد. شرعت أقرأ الكتاب فرحا بهذا الظفر، متعرفا اللغة التي نظم بها، متبينا فرق ما بينها وبين اللهجات التركية الأخرى.
Неизвестная страница
ثم عرفت بعد قليل أن نسخة كاملة من هذه الترجمة في مكتبة المتحف البريطاني، فعزمت على أن أنقل صورتها إلى مكتبة الجامعة.
ثم سافرت إلى إستانبول عام 1356ه / 1937م؛ لأنقب في مكتباتها عن الشاهنامة التركية، شاهنامة الغوري، وعن كتب أخرى، وانتهى البحث إلى أن عثرت في مكتبات السلاطين العثمانيين في سراي طوب قبو على نسخة من الكتاب في مجلد واحد ضخم فيه صور ملونة جميلة.
ويستطيع القارئ أن يقدر اغتباطي ودهشتي إذا علم أن هذه النسخة التي عثرت عليها بعد طول البحث والتحري هي النسخة الأم من هذا الكتاب - النسخة الأولى التي كتبها المترجم بيده في القاهرة وقدمها إلى السلطان الغوري.
زاد اطلاعي على مقدمة الكتاب وخاتمته معرفتي بعناية السلطان بالأدب ورعاية أهله، فزدت إعجابا بالرجل وإعظاما له.
واطلعت من بعد على كتاب آخر يتضمن طرفا من آراء السلطان ومحاوراته في مجالسه اسمه «نفائس المجالس السلطانية»، وهو نسخة في دار الكتب مصورة عن نسخة في إستانبول هي النسخة التي كتبت للسلطان.
وينبغي أن أقول؛ اعترافا بالفضل لأهله: إن الذي أطلعني على هذا الكتاب وكتاب الكوكب الدري هو العالم الفاضل الشيخ محمد عبد الرسول، جزاه الله خيرا.
اجتمع لي كتب ثلاثة ألفت للسلطان، واجتمع لي الأمهات من هذه الكتب - النسخ الأولى التي كتبت للغوري وقدمت إلى خزانة كتبه؛ فجعلت هذه الكتب الثلاثة موضوع بحث ألقيته في مؤتمر المستشرقين، الذي اجتمع في بروكسل سنة 1938.
ورأيت أن أطبع «نفائس المجالس السلطانية» كله، ثم بدا لي أن أختار منه ومن الكتاب الآخر «الكوكب الدري» ما يفي بالمقصود، وأن أعفي القارئ من كثير من المسائل التافهة المتشابهة التي يتضمنها الكتابان، فاخترت من الكتابين مسائل وافية بتصوير مجالس الغوري وتبيين آرائه وآراء العلماء والكبراء الذين كانوا يغشون مجالسه؛ لتكون صفحات من تاريخ بلادنا في القرن العاشر الهجري. (1) مدخل: السلطان الغوري
مكانة مصر بين الممالك الإسلامية أواخر عصر المماليك، وموقفها في تباشير العصور الحديثة بين الشرق والغرب، وصلاتها بدول أوروبا والدول الإسلامية؛ وخاصة دولة بني عثمان، وقوة أساطيلها في بحر الروم والبحر الأحمر إلى الهند، واحتلالها بعض سواحل الهند لتأمين التجارة، واصطدامها بأساطيل البرتغاليين في المحيط الهندي، ثم نظام السلطان في مصر إذ ذاك، وأحوال مصر العلمية والأدبية والاقتصادية - كل أولئك مجال واسع لبحث عويص مفيد ممتع ذي خطر في تاريخ مصر والبلاد العربية والإسلامية، وتاريخ العالم كله. وعسى أن يوفق مؤرخونا إلى درس هذه المسائل وبسطها؛ فهي جديرة بالدرس والبسط، وهي من الواجبات الأولى على المؤرخين المصريين. (2) ملك الغوري
كان السلطان الغوري يدبر ملكا واسعا هو ملك مصر والأقطار التي تتبعها في أكثر العصور - الملك الذي ذكره أبو الطيب المتنبي وهو يمدح كافورا الإخشيدي:
Неизвестная страница
يدبر الملك من مصر إلى عدن
إلى العراق، فأرض الروم فالنوب
كانت مصر والشام وبلاد العرب، وبعض الجزيرة الفراتية، وبلاد العواصم، وهي القسم الجنوبي من آسيا الصغرى، في سلطان ملوك مصر في معظم العصور الإسلامية، وكانت كذلك أيام الغوري، وكان بنو رمضان الذين تسلطوا في أذنة وطرسوس وما يليهما يولون من قبل سلاطين مصر.
وبلغت الأساطيل المصرية سواحل الهند، وبنت عليها قلاعا لحماية التجارة، وقد اجتهد الغوري زمنا في الاحتفاظ بسلطان المصريين في تلك الأرجاء، على رغم البرتغاليين، وكان بعض أمراء الهند يستنجده على الفرنج فيرسل الأساطيل والجند في الحين بعد الحين.
وكان للغوري، ولسلاطين المماليك من قبله، الزعامة بين ملوك المسلمين؛ لتوليهم خدمة الحرمين الشريفين، ولمكان الخلافة العباسية في مصر، ومن يتتبع الرسائل التي كانت بين ملوك مصر وغيرهم من الملوك المسلمين، ويتعرف أحوال الأقطار الإسلامية في تلك العصور يعرف أن ملوك مصر لم يكونوا ينازعون في هذه الزعامة. وحسب الباحث أن يقرأ الرسائل التي تراسل بها سلاطين آل عثمان ومماليك مصر. وكثير منها محفوظ في منشآت السلاطين التي جمعها فريدون بك في القرن الحادي عشر الهجري.
ولهذا نجد في تاريخ الغوري كثيرا من أخبار الرسل أو القصاد الذين كانوا يترددون بينه وبين الأقطار الإسلامية، وغير الإسلامية؛ نجد رسلا من الهند وإيران والعراق ومن قبل السلاطين العثمانيين، وأمراء آسيا الصغرى، ومن بلاد السودان والحبش، ومن بلاد الكرج وأوروبا وجزر بحر الروم، وكثير من الأمراء المغلوبين على أمرهم كانوا يلجئون إلى مصر؛ ليستنجدوا سلاطينها، أو يقيموا فيها آمنين.
يقول ابن إياس في حوادث ربيع الآخر سنة 918: «ومن العجائب أن في هذا الشهر اجتمع عند السلطان نحو من أربعة عشر قاصدا، وكل قاصد من عند ملك على انفراده. فمن ذلك قاصد شاه إسماعيل الصفوي، وقاصد ملك الكرج، وقاصد ابن رمضان أمير التركمان، وقاصد من عند ابن عثمان ملك الروم، وقاصد يوسف ابن الصوفي خليل أمير التركمان، وقاصد صاحب تونس ملك الغرب، وقاصد من مكة، وقاصد الملك محمود، وقاصد ابن درغل أمير التركمان، وقاصد من عند نائب حلب، وقاصد من عند حسين الذي توجه إلى الهند، وقاصد ملك الفرنج الفرانسة، وقاصد البنادقة، وقاصد على دولات، وغير ذلك قصاد من عند جماعة من النواب.»
صورة تبين السلطان جالسا على باب قصره يستقبل السفراء.
ولا أريد أن أبين هنا مكانة مصر وعلاقتها مع بلاد الشرق والغرب إذ ذاك؛ فإن من أصعب المباحث التاريخية وأوسعها وأكثرها إمتاعا أن يدرس التنافس بين الدول الإسلامية المتجاورة: الدولة المصرية، والدولة العثمانية، والدولة الصفوية، وموقف مصر بين جارتيها وبين الدول الأوروبية التي تنافسها في بحر الروم وبحر العرب إلى الهند، وتعرف الأسباب التي مكنت سليما من أن يهزم إسماعيل الصفوي وقانصوه الغوري، والأسباب التي أخرت الدول الإسلامية عامة عن منافسة الأوروبيين في مغامراتهم في بحار الشرق.
إن هذه المباحث وما يتصل بها ليست مما يتسع لتفصيله أو إجماله هذه المقدمة؛ وإنما ألمعت إلى هذه الحوادث؛ لأبين مكانة مصر وسلاطينها في ذلك العصر، وأبين العبء الذي اضطلع به الغوري في تدبير أمور مصر الداخلية والخارجية.
Неизвестная страница
وسأذكر في الأوراق الآتية طرفا من سيرة السلطان الغوري أجعله إيضاحا وتكملة لما يستفاد من الكتابين اللذين أقدم لهما هذه المقدمة.
وعمدتي في هذا تاريخ ابن إياس المؤرخ المعاصر المدقق، وقد حرصت على أن أدعه يحدث القارئ بلغته، كلما أمكن هذا؛ لأن آراء ابن إياس ولغته وأسلوبه صور من تاريخ ذلكم العصر. (3) كيف تولى الغوري الملك؟
1
تولى أمر مصر في أواخر القرن التاسع الهجري سلطان من أعظم سلاطين المماليك همة، وأحسنهم سياسة، وأكثرهم برا، هو الملك الأشرف قايت باي، ملك من سنة 872 إلى سنة 901؛ فاستقرت به الأمور في مصر بعد الاضطراب الذي عقب وفاة الظاهر خوشقدم.
وقد شغل زمنا بمحاربة العثمانيين في عهد السلطان بايزيد الثاني ابن الفاتح وظفر عليهم في أكثر الوقائع، ولكنه صالحهم آخر الأمر سنة 896 على أن يرد إليهم مدينتي أذنة وطرسوس.
ولا تزال آثار هذا السلطان الكبير ظاهرة في مصر والحجاز.
وتلا وفاة قايت باي عهد من الاضطراب تداول فيه أمر مصر وما يتبعها خمسة سلاطين: خلفه ابنه محمد، وخلع بعد ستة أشهر، ثم عاد إلى الملك بعد خمسة أشهر فملك ثمانية عشر شهرا، ثم قتل سنة 904، وتوالى بعده ثلاثة سلاطين في ثلاثين شهرا.
فلما اختفى السلطان طومان باي؛ هربا من المماليك، اجتمع رؤساء الدولة ليختاروا سلطانا ينتهي بولايته هذا الاضطراب.
وأنقل هنا من تاريخ ابن إياس جملة تصور الحال تصوير معاصر خبير: «وثب العسكر على العادل «طومان باي» في سلخ شهر رمضان سنة ست وتسعمائة، واختفى في لية عيد الفطر بعد العشاء، فلما أصبح ذلك اليوم وأشيع هروب العادل ركب الأمير قيت الرجبي أمير سلاح، وقانصوه الغوري أمير دوادار كبير إلخ،
2
Неизвестная страница
ثم ظهر خوشكلدي البيسقي، وكان مختفيا من العادل لما أراد القبض عليه، فلما تكاملوا اجتمعوا ببيت قانصوه خمسمائة الذي بقناطر السباع، فحضر إليهم الأتابكي تاني بك الجمالي، وكان مختفيا من حين كسر الأشرف جانبلاط وتسلطن العادل.
فلما حضر وقع الاتفاق على سلطنته أولا، فركب من هناك وعلى رأسه الصنجق
3
السلطاني، وقد ترشح أمره إلى السلطنة، فلما طلع إلى باب السلسلة ليلي السلطنة أشيع في ذلك اليوم أن الأشرف قانصوه خمسمائة باق على قيد الحياة، فأشهروا النداء في القاهرة بأن قانصوه خمسمائة إن كان موجودا فليظهر وله الأمان، وإن لم يظهر بعد ستة أيام فلا أمان له.
فلما طال المجلس انفض العسكر من الرملة، ونزل غالب الأمراء الذين كانوا قد اجتمعوا في الحراقة بباب السلسلة، وكان يوم عيد الفطر، فاختار كل أحد عوده إلى داره حتى يقع اختيار الأمراء على من يولونه السلطنة، فأعرض غالب العسكر عن الأتابكي تاني بك الجمالي، ولم يرض به أحد منهم، وكان الأتابكي تاني بك الجمالي أرشل معكوس الحركات في أفعاله، وطاش لما ذكر للسلطنة، ثم آل أمره بعد ذلك إلى كل سوء، فلم تقم له السلطنة، وكانت من نصيب قانصوه الغوري ...
فلما رأوا المجلس مانع
4
تعصب الأمير قيت الرجبي أمير سلاح والأمير مصرباي، إلى قانصوه الغوري، وقالوا: ما نسلطن إلا هذا. فسحبوه وأجلسوه وهو يمتنع من ذلك ويبكي، وربما كلمه مصرباي ومزق طوق ملوطته، وهو يمتنع غاية الامتناع. فحضر الخليفة المستمسك بالله يعقوب، وقاضي القضاة عبد الغني بن تقي المالكي، والشهاب الشيشيني الحنبلي، وتأخر قاضي القضاة الشافعي زين الدين زكريا، وبرهان الدين الكركي الحنفي حتى يقع رأي الأمراء فيمن يولونه السلطنة، فكتب القاضي الحنبلي صورة محضر في خلع العادل من السلطنة، وشهد فيه جماعة كثيرة من الناس بأنه سفاك للدماء، ثم حضر القاضي الشافعي والقاضي الحنفي وعقدت البيعة لقانصوه الغوري، وبايعه الخليفة، وكانت سلطنته في يوم الاثنين مستهل شوال سنة ست وتسعمائة.
ثم أحضر إليه شعار السلطنة، وهي الجبة والعمامة السوداء فأفيض عليه ذلك، كل هذا وهو يمتنع ويبكي، فلقبوه بالملك الأشرف، وسما في علوه وأشرف، وكنوه بأبي النصر قانصوه الغوري، وبه صارت مصر مشرقة بالنوري، وقيل:
ألا إنما الأقسام تحرم ساهرا
Неизвестная страница
وآخر يأتي رزقه وهو نائم
ثم قدمت له فرس النوبة بالسرج الذهب والكنبوش ، فركب من على سلم الحراقة التي بباب السلسلة؛ فتقدم قيت الرجبي وحمل القبة والطير على رأسه، وقد ترشح أمره إلى الأتابكية، فركب الخليفة عن يمين السلطان، ومشت بين يديه الأمراء وهم بالشاش والقماش حتى طلع من باب سر القصر الكبير وجلس على سرير الملك والباقي للزوال نحو من خمس وعشرين درجة، وكان الطالع بالسرطان، فأول من قبل له الأرض قيت الرجبي، ثم بقية الأمراء شيئا فشيئا، ثم أخلع على الخليفة ونزل إلى داره وأخلع على مصرباي وقرره في الدوادارية الكبرى والوزارة والأستادارية عوضا عن نفسه؛ فنزل إلى داره في موكب حافل، ثم دقت له البشائر بالقلعة، ونودي باسمه في القاهرة، وارتفعت الأصوات له بالأدعية الفاخرة، وزال ما كان من الشكوك والظنون، وأقرت من الناس بسلطنته العيون؛ فكانت سلطنته على غير القياس، وأشيع بأن بنياته على غير أساس، فصار منه بعد ذلك الهزل جد، ومكث في السلطنة مكثا جاوز الحد، فزال عنه الأضرار والباس، وامتلأت منه أعين الناس، فتولى الملك وله من العمر نحو من ستين سنة ولم يظهر بلحيته الشيب، حتى عد ذلك من جملة سعده.»
5 (4) الغوري قبل السلطنة
الغوري جركسي من مملوكي السلطان قايت باي، أعتقه وولاه بعض الأعمال في حاشيته حتى جعل كاشفا للوجه القبلي سنة 886، ثم جعل أمير عشرة السنة التالية، ثم ولي بعض الولايات في الشام وما يتصل بها من بلاد العواصم، وما زال يتقلب في المناصب ويرتقي أيام محمد بن قايت باي ومن بعده حتى ملك طومان باي وهو بالشام والغوري في صحبته، فلما رجع إلى القاهرة ولي الغوري ما كان يليه هو من الأعمال: الدوادارية الكبرى والوزارة والأستادارية. (5) حليته وأخلاقه وطرف من سيرته
وكان فيما وصفه ابن إياس: «طويل القامة، غليظ الجسد، ذا كرش كبير، أبيض اللون، مدور الوجه، مشحم العينين، جهوري الصوت، مستدير اللحية، ولم يظهر بلحيته الشيب إلا قليلا.
وكان ملكا مهيبا جليلا مبجلا في المواكب، ملء العيون في المنظر.»
6
وكان يميل إلى الأبهة في ملابسه ومواكبه، كما كان ميالا للتنعم، مولعا بالفنون الجميلة.
قال ابن إياس: «وكان يلبس في أصابعه الخواتم الياقوت الأحمر والفيروز والزمرد والماس وعين الهر.
وكان مولعا بشم الرائحة الطيبة من المسك والعود والبخور، وكان ترفا في مأكله ومشربه وملبسه، ويحب رؤية الأزهار والفواكه.
Неизвестная страница
وكان مولعا بغرس الأشجار، وحب الرياضات، وسماع الأطيار المغردة، ونشق الأزاهر العطرة والبخور.
وكان يستعمل الطاسات الذهب يشرب فيها الماء، وكان يستعمل الأشياء المفرحة، وكان نهما في الأكل، وكان يغوى طيور المسموع.»
7
هذه صفات تدل على رقة الطبع، ودقة الإحساس، والولوع بالجمال، والاستمتاع بالعيش.
ومن كانت هذه صفاته يبعد أن يكون ظالما جبارا سفاكا للدماء، قاسيا على الضعفاء.
ونحن نجد في تاريخ الغوري ما يصدق هذه الخلال، فأما كلفه بغرس الأشجار والأزهار واقتناء الطيور، وما يتصل بهذا من تشييد الأبنية وتجميلها فسيأتي بيانه. (6) حبه الموسيقى والغناء
وأما ولعه بسماع الموسيقى والغناء ومعرفته بهما؛ فقد اتفق على ذلك المؤرخون وشهدت به سيرته، فهو إذا أراد الاستراحة من عناء الملك خرج إلى مقياس الروضة أو قبة الأمير يشبك، التي في حدائق القبة الآن، وأحضر خواصه وبعض المغنين والعازفين، وكثيرا ما كان يستصحب المطربين في أسفاره.
يقول ابن إياس في حوادث ذي الحجة سنة 915: «وفيه كان موكب العيد حافلا، وأوكب السلطان على العادة، فلما انقضى يوم العيد نزل السلطان في اليوم الثاني من العيد، وتوجه إلى قبة الأمير يشبك الدوادار التي بالمطرية، وأقام هناك إلى بعد العصر، ووافق ذلك اليوم عيد النصارى وأول الخماسين، فانشرح هناك، ومد أسمطة حافلة، وحضر عنده جماعة من المغاني وأرباب الآلات، ورسم لبعض الأمراء العشرات بأن يرقص؛ فقام ورقص بين يدي السلطان فرسم له بمائة دينار.»
ويقول في حوادث المحرم سنة 918: «وفي يوم الأحد وهو يوم عاشوراء، نزل السلطان وتوجه إلى نحو المقياس، وجلس في القصر الذي أنشأه هناك، وكان معه جماعة من الأمراء، فأقام هناك إلى قريب المغرب وانشرح في ذلك اليوم إلى الغاية، ومد هناك أسمطة حافلة، وأحضر بين يديه مغاني وأرباب آلات، ثم إن شخصا مضحكا يقال له علي باي، الذي يعمل عفريتا في المحمل، قام فرقص، ثم سحب الوالي كرتباي فرقصه، ثم سحب أمير آخور ثاني آقباي الطويل فرقصه، ثم سحب بركات بن موسى المحتسب فرقصه، ثم سحب عبد العظيم الصيرفي فرقصه، وكان جسيما؛ فضحك عليه السلطان، ونثروا بين يديه أشياء من أنواع الورد والزهر والفاكهة ومجامع الحلوى؛ فتخاطف ذلك المماليك، وابتهج في ذلك اليوم.»
وفي حوادث ذي القعدة سنة 918، يذكر ابن إياس سفر السلطان إلى الفيوم، ويقول في أثنائه: «ولما نزل السلطان من القلعة توجه نحو المقياس وبات به ليلة السبت، فلما طلع النهار عدى من هناك وطلع إلى بر الجيزة وتوجه إلى الوطاق
Неизвестная страница
8
الذي نصبه عند الأهرام، وقيل: إن السلطان أخذ معه جماعة من المغاني وأرباب الآلات، فمنهم محمد بن عوينة العواد، وجلال السنطيري والبوالقة، وابن الليموني، وغير ذلك من المغاني.»
وذكر الشريفي مترجم الشاهنامة عناية السلطان بالموسيقى، واستصحابه كبار الموسيقيين.
وللسلطان موشحات وألحان كان يغنى بها في عصره، سنذكر بعضها بعد. (7) ألعابه
وكان يلهو أحيانا بنطاح الكباش والثيران.
يقول ابن إياس في حوادث ربيع الآخر سنة 912: «وفي يوم الثلاثاء خامسه، كان ختام ضرب الكرة بالميدان، فلما انتهى ذلك أحضر السلطان ثيرانا وكباشا يتناطحون قدامه.»
وفي حوادث ربيع الآخر سنة 918: «وفي يوم الثلاثاء تاسع عشرينه كان ختام ضرب الكرة بالميدان - وكانت جماعة من هؤلاء القصاد حاضرين
9 - فلما انتهى ضرب الكرة قام السلطان وطلع إلى الحوش وجلس بالمقعد، وأحضروا قدامه ثيران يتناطحون وكباشا.» «وفي يوم الأربعاء ثامن رمضان نزل السلطان وتوجه إلى نحو المطعم بالريدانية، وجلس على المصطبة التي هناك، وأطلقوا قدامه الكلاب والصقورة والفهودة، وانشرح في ذلك اليوم، ثم عاد إلى القلعة من يومه.»
وكان السلطان مواظبا على لعب الكرة في موسم معروف، وكذلك كانت عادة سلاطين المماليك وكثير من ملوك مصر والدول الإسلامية. نجد في حوادث كل سنة من تاريخ ابن إياس: «وفي يوم كذا بدأ السلطان بضرب الكرة، وفي يوم كذا كان ختم الضرب بالكرة.» (8) موائده
وأما احتفاله بالطعام وموائده؛ فيظهر من وصف مآدبه للسفراء ولأعيان مملكته، ومن مآدب أعيان الدولة له.
Неизвестная страница
يقول ابن إياس في حوادث المحرم سنة 915: «ومن الوقائع اللطيفة أن في يوم الخميس ليلة الجمعة خامس عشره، نزل السلطان إلى الميدان، ونصب به خيمة كبيرة مدورة، وملأ البحرة التي أنشأها هناك من ماء النيل، من المجراة التي أنشأها، ثم رسم بجمع كل ورد في القاهرة ووضعه في تلك البحرة، وجمع قراء البلد قاطبة والوعاظ، وعلق أحمالا بها قناديل، وفرش حول البحرة الفرش الفاخرة، وعزم على القضاة الأربعة، وسائر الأمراء من كبير وصغير، وأرباب الوظائف من المباشرين، وأعيان الناس قاطبة، وبات السلطان تلك الليلة بالميدان، وبات عنده الأتابكي قرقماس، وجماعة من الأمراء.
ومد تلك الليلة أسمطة حافلة أعظم من سماط المولد، فمد في السماط أربعمائة صحن صيني، ورسم بأن تعمل المأمونية الحموية وكل قطعة نصف رطل، وكان من الإوز والدجاج والغنم ما لا ينحصر، ومن اللحم ألف وخمسمائة رطل، ومن الدجاج ألف طير، ومن الإوز خمسمائة طير، ومن الغنم المعاليف خمسون معلوفا، ومن الرمسان الرضع أربعون رميسا؛
10
حتى قيل: صرف على ذلك السماط فوق الألف دينار، بما فيه من حلوى وفاكهة وسكر وغير ذلك، وكانت ليلة مشهودة.»
وكذلك نجد أعيان الدولة يسرفون في الأسمطة التي يحضرها السلطان؛ فقد أدب القاضي كاتب السر محمود بن أجا للسلطان ورجال الدولة عند مقياس الروضة، مأدبة أنفق فيها سبعمائة دينار.
11 (9) مواكبه وزينته
وكان الغوري يميل إلى الأبهة في زينته وموكبه على شدة حاجته إلى المال.
ووددت أن أمتع القارئ بوصف أحد المواكب بلغة ابن إياس لولا ضيق المجال، فليرجع من شاء إلى الجزء الخامس ص276، 421.
ولكني لا أستطيع إغفال زينة من زينات الغوري، يرى القارئ في وصفها صورة من معيشة القاهرة في ذلك العصر: يقول ابن إياس في الحديث عن ذهاب السلطان إلى المقياس وإقامته هناك يومين في جمادى الآخرة سنة 918: «ثم إن السلطان أوقد في قاعة المقياس وقدة حافلة، باطنا وظاهرا، وعلق أحمالا بقناديل في القصر الذي أنشأه هناك، وعلى شرفات المقياس قناديل في أحمال وأمشاط حتى أوقد جامع المقياس والمئذنة.
ثم إن سكان بر مصر
Неизвестная страница
12
وبر الروضة علقوا في بيوتهم القناديل في الأحمال والأمشاط بطول البرين، حتى أوقدوا المربع الذي أنشأه السلطان للسواقي تجاه بر الروضة.
13
ثم أحضر السلطان المركب الكبير الغليون الذي عمره وأصرف عليه نحوا من عشرين ألف دينار، فأرسوا به قبالة المقياس، وصنعوا له ثماني مراس في البحر، وعلقوا في صواريه القناديل في الأمشاط؛ فكان الذي وقد في المقياس تلك الليلة خمسة قناطير زيت وعشرة آلاف قنديل، ثم صنع السلطان في تلك الليلة إحراقة فكان مصروفها نحوا من مائة وسبعين دينارا مثل إحراقة نفط المحمل التي كانت تصنع بالرملة قدام القلعة،
14
فشقوا بالنفط من القاهرة وهو مزفوف، وقدامه الطبول والزمور؛ فكان عدة قلاع النفط خمسين قلعة والمواذن ستين مئذنة، وأزيار عشرة، وجرار أربعون جرة، وصواريخ كبار ثلاثمائة، وماويات ألف ومائتان، وشجرات عشرة، وتنانير عشرون، وقطع ألفان، وشعل أربعون. فلما وصلوا بالنفط إلى شاطئ البحر أنزلوه في خمسين مركبا، وصفوا المراكب قبالة المقياس عند البسطة، ورسم السلطان للأمراء المقدمين بأن يحضروا طبلخاناتهم في مراكب عند المقياس؛ ففعلوا ذلك، فكان حس الطبول والزمور مع الكوسات
15
مثل صوت الرعد القاصف، فلما صلى السلطان صلاة العشاء جلس على سطح القصر الذي أنشأه على بسطة المقياس والأمراء حوله وأحرقوا قدامه النفط، وكان النيل في ثلاثة أصابع من عشرين ذراعا، وكانت ليلة البدر فدقت كوسات السلطان مع كوسات الأمراء المقدمين، وهم أربعة وعشرون مقدم ألف، فقاموا في صعيد واحد عند إحراق النفط؛ فكانت تلك الليلة لم يسمع بمثلها فيما تقدم، ولم يقع لأحد من الملوك قبله مثل هذه الواقعة، ولا للمؤيد شيخ، ولا للناصر فرج بن برقوق.»
باب جامع الغوري في شارع الغورية. (10) عماراته
وأما كلفه بتشييد الأبنية والتأنق فيها؛ فتدل عليه آثاره القائمة اليوم، وما حدث التاريخ عن آثاره التي درست.
Неизвестная страница
أنشأ الجامع والقبة والمكتب والسبيل التي في الغورية، وجامعا عند القلعة، وبنى خان الخليلي، وخانا وأحواضا في طريق الحاج عند العقبة، ورباطا ومارستانا في مكة، وقصرا عند المقياس في الروضة، وأنشأ الميدان عند القلعة، وأحواضا وأبنية فيه.
وعمر قاعة البيسرية وقاعة العواميد والدهيشة في القلعة، وأنشأ قناطر وأبنية أخرى.
فأما الجامع فلا يزال قائما بالغورية، ملتقى شارع الغورية (الذي سمي شارع المعز لدين الله)، وشارع الأزهر، وتحته السوق المعروفة باسم التربيعة.
وننقل هنا ما يروي ابن إياس في إتمام هذا الجامع والصلاة فيه أول مرة: «وفي ربيع الآخر (909) في يوم الجمعة مستهله خطب في جامع السلطان الذي أنشأه في الشرابشيين، وقد تم بناؤه وجاء في غاية الحسن والتزخرف، وصنع به مئذنة لها أربعة رءوس، وهو أول من اتخذ ذلك ... فكان أول من خطب بهذا الجامع قاضي قضاة دمشق الشهاب أحمد بن فرفور الدمشقي الشافعي. فلبس السواد وخطب، وكان المرقي قدامه القاضي عبد القادر القصروي، وحضر في ذلك اليوم الخليفة المستمسك بالله يعقوب والقضاة الأربعة؛ وهم: برهان الدين بن أبي شريف الشافعي، وعبد البر بن الشحنة الحنفي، وبرهان الدين الدميري المالكي، والشهاب الشيشيني الحنبلي. وحضر غالب الأمراء المقدمين، وولد السلطان المقر الناصري، وأعيان المباشرين قاطبة، والجم الغفير من الأمراء العشرات والخاصكية، وأعيان الناس، وزينت الشرابشيين في ذلك اليوم، وكان يوما مشهودا، وأخلع السلطان في ذلك اليوم على قاضي القضاة عبد البر بن الشحنة؛ كونه حكم بصحة الخطبة في هذا الجامع، وأخلع على إينال شاد العمارة خلعة حافلة، وأنعم عليه بإمرة عشرة، وأخلع في ذلك اليوم على عدة من المهندسين والبنائين والمرخمين والنجارين وغير ذلك من أرباب الصنائع ممن كان بالجامع، وأنعم على الفعلاء لكل واحد بألف درهم.
ثم في الجمعة الثانية رسم السلطان لقاضي القضاة عبد البر بن الشحنة بأن يخطب في هذا الجامع، فخطب تلك الجمعة خطبة بليغة.»
16
باب قبة الغوري في شارع الغورية.
وفي حوادث جمادى الآخرة سنة 911 يقول ابن إياس: «وفيه مالت مئذنة جامع السلطان الذي أنشأه بالشرابشيين، فلما تشققت وآلت إلى السقوط رسم بهدمها، وقد ثقلت من علوها؛ كون أنها بأربعة رءوس، فلما هدمت أعيدت على الصحة، وقد بني علوها بالطوب، وصنعوا عليه قاشاني أزرق.
وتجاه جامع الغوري يرى الآن بناء آخر يساميه ويشابهه فيه قبة الغوري وقاعة كبيرة للدرس، وسبيل وكتاب وحجرات قليلة، وتحت هذه الأبنية مخازن، ووراءها فناء به قبور بجانب الجدار القبلي، ويؤخذ من ابن إياس أن بعض زوجات السلطان وأولاده والسلطان طومان باي الأخير دفنوا هناك.»
وفي ابن إياس أخبار كثيرة عن أبنية الغوري، ومما قاله عن المدرسة: «ووقع للغوري أشياء غريبة لم تقع لغيره من الملوك؛ منها أنه نقل الآثار الشريف النبوي من مكانه الذي كان به المطل على بحر النيل فجعله في مدرسته حتى عد ذلك من النوادر.
Неизвестная страница
وقد تعب الصاحب بهاء الدين بن حنا في نقل هذا الآثار الشريف، وكان عند جماعة من بني إبراهيم بالينبع، فلا زال يتلطف بهم حتى اشتراه منهم بستين ألف درهما بالدراهم القديمة، ثم نقله إلى الديار المصرية، وبنى له مسجدا مطلا على بحر النيل،
17
وكان الناس يقصدون الزيارة إليه في كل يوم أربعاء، فلما تلاشى أمر ذلك المكان الذي كان به الآثار الشريف استفتى السلطان العلماء فأفتوه بنقله إلى مدفنه بالقبة وهذا بخلاف شرط الواقف، ثم إن السلطان نقل المصحف العثماني إلى مدرسته أيضا،
18
وعد ذلك من النوادر، ثم نقل إلى المدرسة أيضا الربعة العظيمة المكتوبة بالذهب التي كانت بالخانقاه البكتمرية التي بالقرافة، قيل إن مشتراها على الواقف ألف دينار، ولم يكتب نظير هذه الربعة سوى ربعة أخرى بخانقاه سرياقوس اشتراها الملك الناصر محمد بن قلاوون بألف دينار أيضا، وأخرى بالمدينة الشريفة.
وقد وقع للأشرف قانصوه الغوري في مدرسته من المحاسن ما لا وقع لأحد قبله من الملوك، وحاز فيها أشياء غريبة عزيزة الوجود.
ولما نقل الآثار الشريف والمصحف العثماني إلى مدرسة السلطان كان له يوم مشهود ونزل قدامه القضاة الأربع والأتابكي قيت، وجماعة من الأمراء المقدمين والفقراء أرباب الزوايا والأعلام وهم يذكرون ...
وفي ذلك اليوم أخلع على الشيخ برهان الدين بن أبي شريف وقرره في مشيخة هذه المدرسة، وقد صرف عن قضاية القضاة، وانفرد بمشيخة مدرسة السلطان واستمر بها إلى الآن.»
19
صورة قديمة تبين الشارع بين جامع الغوري والقبة، رسمها بعض السائحين، وترى فيها السقيفة التي كانت فوق الشارع.
Неизвестная страница
ويصف الشريفي الشاعر - الذي ترجم الشاهنامة إلى اللغة التركية بأمر الغوري - عمارات السلطان وصفا شعريا يدور على الخيال والمبالغة، ولكنه ينم عن حقائق، فهو يصف القبة ويبين علوها، وأنها لونت باللون الأزرق، ويصف الجامع والسوق التي تحته، ويصف الخانقاه التي بجانب القبة وهي القاعة الكبيرة الجميلة التي إلى يسار الداخل. ويقول في هذه الخانقاه: «يقرأ فيها العلم الإلهي، ويتلى القرآن والأوراد في الأسحار، ولها شيخان وثمانون صوفيا يقرءون مرتين كل يوم، وبها مائتان من أصحاب الوظائف (يعني الجرايات) منهم من يعطى الخبز كل يوم، ومنهم من يعطى وظيفته مشاهرة.
20
ويقول في السبيل الذي يلاصق الخانقاه: «وبجانب الخانقاه سبيل كأن ماءه سلسبيل؛ يشرب الناس منه ليل نهار، وفيه خدام لا يغيبون نهارا ولا ليلا؛ فإذا غاب أحد السقاة أناب غيره.»
ويقول في المكتب الذي فوق السبيل: «وبنى فوق السبيل مكتبا يقرأ فيه الأيتام إلى العصر، وفيه مؤدب يعلمهم ويربيهم.»
وكذلك نجد الكلام عن عمارات السلطان في كتاب النفائس.
21
باب من آثار الغوري يرى اليوم في شارع الصليبة متصلا بدار أحمد بك إحسان. (11) ولعه بالحدائق والأزهار
وأما ولعه بالحدائق والأزهار وإجراء المياه في الحدائق واتخاذ الأحواض والنافورات فيدل عليه ما فعل في ميدان القلعة.
وهذا الميدان وصفه الشاعر الشريفي، وذكره ابن إياس كثيرا، يقول في حوادث جمادى الآخرة سنة 914: «وفيها كان انتهاء العمل من المجراة التي أنشأها السلطان كما تقدم فدارت هناك الدواليب وجرى الماء في المجراة حتى وصل إلى الميدان الذي تحت القلعة.
ثم إن السلطان صنع هناك سواقي نقالة، وبنى ثلاثة صهاريج تمتلئ من ماء النيل برسم المماليك الذين يلعبون الرمح في الميدان، وشرع في بناء بحرة في وسط ذلك البستان الذي أنشأه بالميدان فكان طول تلك البحرة نحوا من أربعين ذراعا، وقيل أكثر من ذلك، وبنى هناك عدة مقاعد ومناظر مطلات على ذلك البستان.»
Неизвестная страница
وفي حوادث ذي الحجة سنة 915: «وفي هذه السنة أينعت الأشجار التي غرسها السلطان بالميدان وأخرجت ما شتله بها من الأزهار ما بين ورد وياسمين وبان وزنبق وسوسان وغير ذلك من الأزهار الغريبة. ولقد عاينت به وردا أبيض ذكي الرائحة وهو غير أنواع الورد التي بمصر، وقد نقل من الشام، وكان يطرح في أوان الصيف والنيل في قوة الزيادة، وهو نوع غريب لم يوجد بمصر.
فكان السلطان يوضع له دكة كبيرة مطعمة بالعاج والأبنوس ويفرش فوقها مقعد مخمل بنطع، ويجلس عليه، وتظله فروع الياسمين، وتقف حوله المماليك الحسان بأيديهم المذبات ينشون عليه، ويعلق في الأشجار أقفاص فيها طيور مسموع ما بين هزارات ومطوق وبلابل وشحارير وقماري وفواخت وغير ذلك من طيور المسموع، ويطلق بين الأشجار دجاج حبش وبط صيني وحجل وغير ذلك من الطيور المختلفة - إلى أن يقول - وقد صار هذا الميدان جنة على الأرض.» (12) تدينه وبره بالفقراء
كان الغوري دينا محافظا على فروض الدين، شديدا على من يفرط فيها، وكان يعد من علماء الدين في مصر، كما يتبين فيما يأتي.
وكان كلما حزبه أمر أو حلت بالبلاد قارعة أو خشي عليها نازلة فزع إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلى قراءة القرآن والحديث والدعاء، وكان البخاري يقرأ في رمضان ويحتفل بختمه في القلعة، وهي سنة قديمة.
يقول ابن إياس في حوادث رجب سنة 915: وفي رجب نادى السلطان بألا يتجاهر الناس بالمعاصي، ولا يمشى بسلاح بعد المغرب، وأن الناس يواظبوا على الصلوات الخمس في الجوامع.
وفي حوادث ذي الحجة سنة 915 أن النيل زاد في هاتور ثمانية أصابع فتضرر الناس، «فرسم السلطان للقضاة الأربع بأن يتوجهوا إلى المقياس، ويدعوا إلى الله تعالى في هبوطه، فتوجهوا هناك وباتوا بالمقياس، وقرأ السلطان تلك الليلة ختمة شريفة ومد أسمطة حافلة، فانهبط في تلك الليلة نحو من نصف ذراع، فعد ذلك من الوقائع الغريبة.»
ويصف الشريفي صلاة السلطان وتهجده بالليل ودعاءه، في خاتمة الشاهنامة.
22
وكان برا بالفقراء كثير الصدقات؛ أنشأ رباطا ومارستانا في مكة ورباطا في مصر، وأجرى فيها الصدقات.
وكان يجب أن يتصدق على الفقراء بيده؛ نجد في ابن إياس مثل هذه الحوادث:
Неизвестная страница
المحرم سنة 912: «وفيه في يوم عاشوراء أمر السلطان بأن تجمع الفقراء والحرافيش عند سلم المدرج فاجتمع هناك الجم الغفير من الفقراء والحرافيش ونزل السلطان بنفسه ووقف وهو راكب على فرسه تحت سلم المدرج، وصار يعطي لكل إنسان من الفقراء من رجل وامرأة وكبير وصغير أشرفي ذهب، فوقع الازدحام بين الفقراء حتى قتل منهم ثلاثة أنفار، من شدة ازدحامهم، فكان كما يقال في المعنى:
فيا لك من عمل صالح
يرفعه الله إلى أسفل
وقيل: إنه فرق في ذلك اليوم نحوا من ثلاثة آلاف دينار فارتفعت الأصوات له بالدعاء، فلما رأى ازدحام الفقراء لم ينزل مرة أخرى ولم يفرق شيئا، وكان قصده يفرق على الفقراء مرة أخرى.»
في رمضان سنة 915: «نزل السلطان إلى الميدان فوقف إليه جماعة من المغاربة نحو من سبعين إنسانا ما بين رجال ونساء وقد قصدوا الحج في هذه السنة، فرسم لهم السلطان بأشرفي لكل واحد منهم ثمن بقسماط.» (13) وفاؤه
وكان وفيا برا بأصحابه وأولياء نعمته؛ بقي طول عمره يذكر سيده قايتباي بالخير ويعظمه. قال ابن إياس في حوادث ذي القعدة سنة 915: «نزل السلطان وسير وتوجه إلى نحو تربة الأشرف قايتباي فنزل عن فرسه ودخل وزار قبره وبكى هناك وتمرغ على قبره، وقرأ له الفاتحة ثم رسم للبوابين وللصوفية بمائة دينار.»
ونجد في كتاب النفائس تعظيمه قايتباي.
23
ونجد في موضع آخر حزنه على أحد رجال دولته وهو الأشرف قرقماس، يقول ابن إياس في وصف جنازته (رمضان سنة 916): «فلما وصل إلى سبيل المؤمني خرج السلطان من الميدان وهو راكب وأتى إلى سبيل المؤمني، فنزل عن فرسه ودخل للصلاة؛ فلما وضعوا نعشه بين يديه قبله وهو في النعش وبكى عليه بكاء كثيرا، فلما صلوا عليه حمل نعشه ومشى به خطوات حتى أخذوه منه الأمراء.» (14) محاسن الغوري كما أجملها ابن إياس
يقول ابن إياس في حوادث رمضان سنة 922: «فأما ما عد من محاسنه؛ فإنه كان رضي الخلق يملك نفسه عند الغضب، وليس له بادرة بحدة عند قوة خلقه، ومنها أنه كان له اعتقاد زايد في الصالحين والفقراء، ومنها أنه كان يعرف مقادير الناس على قدر طبقاتهم، ومنها أنه كان ماسك اللسان عن السب للناس في شدة غضبه، ومنها أنه كان يفهم الشعر ويحب سماع الآلات والغناء، وله نظم على اللغة التركية، وكان مغرما بقراءة التواريخ والسير ودواوين الأشعار، وكان قريبا من الناس يحب المزاح والمجون في مجلسه،
Неизвестная страница
24
غير كثيف الطبع في ذاته، وكان عنده لين جانب ورياضة بخلاف طبع الأتراك، ولم يكن عنده شمم ولا تكبر نفس.» (15) مساوئ الغوري
كان الغوري في حاجة إلى مال كثير ينفق منه على الجند؛ ليسكن ثوراتهم المتكررة، وليزود الجيوش التي يرسلها إلى أطراف المملكة وإلى الهند، كما يتفق في بناء الأساطيل، وكانت التجارة قد كسدت بما أخاف الفرنجة سبل البحار، وفي صفحات ابن إياس أمثلة من الحادثات التي أكسدت التجارة في عهد الغوري؛ في حوادث المحرم سنة 920: «وكان في تلك الأيام ديوان المفرد وديوان الدولة وديوان الخاص في غاية الانشحات والتعطيل، فإن بندر الإسكندرية خراب ولم تدخل إليه البضائع في السنة الخالية، وبندر جدة خراب بسبب تعبث الإفرنج على التجار في بحر الهند فلم تدخل المراكب بالبضائع إلى بندر جدة نحوا من ست سنين، وكذلك جهة دمياط.»
ويقول في حوادث ذي الحجة من السنة عينها، أثناء الكلام في سفر السلطان الغوري إلى الإسكندرية: «ولم يكن بثغر الإسكندرية يومئذ أحد من أعيان التجار لا من المسلمين ولا من الفرنج، وكانت المدينة في غاية الخراب بسبب ظلم النائب وجور القباض؛ فإنهم صاروا يأخذون من التجار العشر عشرة أمثال؛ فامتنع تجار الفرنج والمغاربة من الدخول إلى الثغر؛ فتلاشى أمر المدينة وآل أمرها إلى الخراب حتى قيل: طلب الخبز بها فلم يوجد ولا الأكل، ووجد بها بعض دكاكين مفتحة والبقية خراب لم تفتح.»
لهذا اشتدت حاجة السلطان إلى المال واشتد حرصه على جمعه وكثرت مصادراته، وأسف فيها إلى درك لا يلائم همته وسيرته.
يقول ابن إياس في حوادث جمادى الأولى سنة 916: «وفي هذا الشهر كثرت مصادرات السلطان للمباشرين، حتى إنه صادر عرب اليسار الذين يسكنون تحت القلعة، وقرر عليهم مال له صورة وقال لهم: إنتو عملتو كيمان تراب تحت القلعة من عفشكم ما يشتال ولا بعشرة آلاف دينار، وجعل ذلك حجة عليهم.»
وفي حوادث رمضان سنة 918: «وفيه كان ما وقع لرئيسة المغاني، وهي امرأة يقال لها: هيفة اللذيذة، وقد رافعها بعض أعدائها بأن لها دائرة كبيرة من المال، ولها حلة للكرا، فلما سمع السلطان ذلك قبض عليها وأقامت في الترسيم، وعرضت للضرب غير ما مرة، وقرر عليها خمسة آلاف دينار؛ فباعت الحلي وجميع ما تملكه وأوردت ألف دينار، وقد تكلم لها القاضي بركات بن موسى بأنها لا تملك غير ذلك فقرر عليها بعد ذلك خمسمائة دينار ترد في كل شهر مائة دينار على كل جامكية،
25
وقد طفل السلطان نفسه إلى مصادرة المغاني أيضا! والأمر لله.»
وكان المال وسيلة إلى المناصب حتى مناصب القضاء أحيانا.
Неизвестная страница
في حوادث ربيع الآخر سنة 910: «وفيه أخلع السلطان على شخص يقال له طراباي، وكان طراباي هذا ولي الأتابكية بحلب، ثم حضر إلى مصر وسعى في نيابة صفد بمال له صورة حتى تولاها.»
وفي ذي الحجة سنة 906: «وفي يوم الخميس ثامن ذي الحجة عزل قاضي القضاة زين الدين زكريا الشافعي عن القضاء، وهذا كان آخر عزله وولايته، وقد كف بصره عقب ذلك.
فلما عزل زكريا سعى محيي الدين بن عبد القادر بن النقيب في عوده إلى القضاء، وقد أورد مال له صورة، فأخلع عليه، وأعيد إلى القضاء.»
وأكثر مساوئ الغوري ترجع إلى كثرة نفقاته وقلة دخله واضطراره إلى أخذ الأموال بكل الوسائل.
وإذا رجعنا إلى ابن إياس نجد جل المساوئ التي ذكرها من هذا القبيل،
26
ولولا هذه الضرورات لبرئت سيرة هذا الرجل الهمام مما اقترف من هذه المصادرات. (16) مكانة الغوري من معارف عصره
لم تكن المعارف منتشرة مزدهرة في مصر في عصر الغوري، وإذا نظرنا إلى الأبحاث والمجادلات التي كانت في مجالس هذا السلطان ، عرفنا ضيق الأفكار وقلة المعارف، والولع بسفاسف الأمور والقصور عن جلائلها.
ولكن ينبغي ألا نعد هذه المجالس مصورة معارف علماء مصر في ذلك العهد، فإن كبار العلماء كانوا يتورعون عن هذه المجالس؛ فقد عاش بمصر في عصر الغوري علماء كبار مثل جلال الدين السيوطي، والسخاوي، والقسطلاني، وزكريا الأنصاري، ولم تذكر أسماؤهم في هذه المجالس؛ بل القضاة الأربعة الذين يذكرون كثيرا في شئون ذلك العصر، ولهم بالدولة والسلطان صلة مستمرة، قل أن يذكر أحدهم في مجالس الغوري.
ويتبين من تاريخ الغوري، ومن أقواله التي يتضمنها الكتابان: «نفائس المجالس» و«الكوكب الدري»، ومما كتبه الشريفي مترجم الشاهنامة، أن السلطان كان ذا حظ من العلوم الدينية: التوحيد والفقه والتفسير، مشاركا في علوم العربية: النحو والبلاغة وغيرهما، وأنه كان مولعا بقراءة كتب التاريخ والسير والقصص، وأنه كان ذا ملكة يتفهم بها الأدب وتزين له أن يشارك في النظم أحيانا، وأنه كان مولعا بالموسيقى والغناء، وكان له نظم وألحان يتغنى بها، وأنه كان يعرف لغات عدة.
Неизвестная страница