فَائِدَة
حق كل من يحاول الْخَوْض فِي فن من الْعُلُوم إِذا علم مَقْصُوده مِنْهُ أَن يحاول بدءا الْإِحَاطَة بسواقه الَّتِي لَا بُد لَهُ مِنْهَا فِي مَعْرفَته وشروطه الَّتِي هِيَ مَعُونَة عَلَيْهِ
وَلِهَذَا الْبَاب الَّذِي تصدينا لَهُ وأشرعنا مَقَاصِد القَوْل فِيهِ عشرَة سوابق هِيَ المبينة لَهُ والمعينة عَلَيْهِ
السَّابِقَة الأولى فِي وَجه بَيَان الْحَاجة إِلَى الْعبارَة الَّتِي بهَا يَقع الْبَيَان
فَنَقُول لما كَانَ الْإِنْسَان مدنيا بالجبلة مفتقرًا إِلَى الصُّحْبَة بِالضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ خلق خلقا لَا ستقل بمعاشه وَلَا يستبد بمنافعه بل هُوَ مفتقر فِي ذَلِك إِلَى غَيره وَكَانَ ذَلِك الْغَيْر إِمَّا مجتمعنا مَعَه وَإِمَّا مباينًا عَنهُ وَالْمَنْفَعَة الَّتِي يفْتَقر إِلَيْهَا إِمَّا حَاضِرَة وَإِمَّا غَائِبَة وَكَانَت الْإِشَارَة مَوْضُوعَة لاخْتِلَاف الْمَنْفَعَة وسد الْخلَّة فِي الْحَاضِر وَوضعت الْعبارَة لتقوم مقَام ذَلِك فِي الْغَائِب فَهَذِهِ حِكْمَة الله تَعَالَى فِي وضع الْعبارَات الدَّالَّة على الْمعَانِي
فَإِذا فهمت هَذَا فقد فرض عُلَمَاؤُنَا رَحْمَة الله عَلَيْهِم مَسْأَلَة وَهِي أَن اللُّغَات هَل هِيَ تَوْقِيف من الْمعلم الْأَعْظَم وَهُوَ الْبَارِي تَعَالَى أَو هِيَ متواضعة مُتَّفق عَلَيْهَا بَين النَّاس فَمنهمْ من قَالَ بالقولين الْمَذْكُورين وَمِنْهُم من قَالَ أما مَا بِهِ يكون الِاتِّفَاق وَمنع التَّوَاضُع فَلَا بُد فِيهِ من التَّوْقِيف وَأما مَا وَرَاء ذَلِك فَجَائِز أَن يكون تَوْفِيقًا وَجَائِز أَن يكون تواضعا
1 / 28