جسم ولا يقال الجسم باري. وأما بالتحقيق والتفصيل فينبغي أن يرد إلى النظم الأول بعكس المقدمة النافية. ولنعدل إلى مثال اخر تصاونًا عن ترديد لفظ الباري. فإن قول القائل إنه ليس بجسم كأنه سوء أدب كما أن قوله هو جسم كفر، فإن من قال للملك أنه ليس بحجام ولا بحائك فقد أساء الأدب إذا وهم إمكان ما صرح بنفيه، إذ لا يتعرض إلا لنفي ما له إمكان في المادة والجسمية أشد استحالة في ذاته تعالى عن قول الزائغين من الحياكة والحجامة في الملك، فنقول مثلًا الأجسام ليست أزلية، إذ كل جسم مؤلف ولا أزلي واحد مؤلف فيلزم منه لا جسم واحد أزلي، إذ صار المؤلف ثابتًا للجسم مسلوبًا عن الأزلي ولا يبقى بين الأزلي والجسم ارتباط الخبر والمخبر. وتفصيله بأن تنعكس المقدمة النافية فإنها نافية عامة، وقد قدّمنا أن النافية العامة تنعكس مثل نفسها فإذا صدق قولنا ولا أزلي واحد مؤلف صدق قولنا ولا مؤلف واحد أزلي وهو عكسه، فنضيف إليه قولنا وكل جسم مؤلف فيعود إلى النظم الاول، فيكون وجه دلالته ولزوم نتيجته ما سبق. وخاصية هذا النظم أنه لا ينتح إلا القضية النافية، أما الإِثبات فلا. وأما النظم الأول فهو أكمل لأنه ينتح القضايا الأربعة، أعني المثبتة العامة والمثبتة الخاصة والنافية العامة والنافية الخاصة. ولم نفرد تفصيل هذه الآحاد استثقال التطويل فإن قلت فلمَ لا ينتج هذا النظم الإِثبات فاعلم أن هذا لا ينتج إلا النفي، ومن شرطه ان تختلف المقدمتان أيضًا في النفي والإثبات، فإن كانتا مثبتتين لم ينتجا لأن حاصل هذا النظم يرجع إلى الحكم بشيء واحد على شيئين وليس من ضرورة كل شيئين يحكم عليهما بشيء واحد أن يخبر بأحدهما عن الآخر، فإنا نحكم على السواد والبياض جميعًا باللونية ولا يلزم أن يخبر عن السواد بأنه بياض ولا عن البياض بأنه سواد، ونظم القياس فيه أن يقال كل سواد لون وكل بياض لون فكل سواد بياض أو كل بياض سواد واللون هو المتكرّر وقد جعل خبرًا في المقدمتين، ولم ينتح بين المعنيين لا اتصالًا ولا انفصالًا، نعم كل شيئين أخبر عن أحدهما بما يخبر عن الآخر بنفيه يجب أن يكون بينهما انفصال وهو النفي، وبرهانه عكس المقدمة النافية ليعود إلى النظم الأول.
النظم الثالث: أن تكون العلة مبتدأ في المقدمتين جميعًا. فهذا إذا جمع شروطه كان منتجًا، ولكن نتيجة خاصة لا عامة، مثاله كل سواد عرض وكل سواد لون فيلزم منه أن بعض العرض لون، وكذلك إذا قلت كل بُر مطعوم وكل بُر ربوي فيلزم منه بالضرورة أن بعض المطعوم ربوي. وبيان وجه دلالته ولزوم النتيجة منه بالإجمال إن الربوي والمطعوم حكمنا بهما على شيء واحد وهو البُر فيلزم بالضرورة بينهما التقاء، وأقل درجات الالتقاء
1 / 224