301

حدثت حرب ، أنهم ينضمون إلى أعدائنا ويحاربوننا. ويخرجون من أرضنا. فسلط عليهم رؤساء تسخير لكي يذلوهم بأثقالهم. وكانوا كلما أشتد تعبدهم ازدادوا كثرة وشدة. فشق على المصريين كثرتهم واختشوا منهم. فجعل أهل مصر يستعبدونهم جورا ويمررون عليهم حياتهم بالعمل الشديد بالطين واللبن ، وكل فلاحة الأرض ، وكل الأفعال التي استعبدوهم بها بالمشقة.

وأمر فرعون بذبح أبنائهم كما قصه الله تعالى. ولم يزل الأمر في هذه الشدة عليهم حتى نجاهم سبحانه بإرسال موسى عليه السلام . وقوله جل ذكره.

** القول في تأويل قوله تعالى :

( وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ) (50)

( وإذ فرقنا بكم البحر ) بيان لسبب التنجية ، وتصوير لكيفيتها ، إثر تذكيرها وبيان عظمها وهولها. وقد بين في تضاعيف ذلك نعمة جليلة أخرى هي الإنجاء من الغرق. أي واذكروا إذ فلقناه بسلوككم أو ملتبسا بكم أو بسبب إنجائكم. وفصلنا بين بعضه وبعض حتى حصلت مسالك. فالباء على الأول استعانة. مثلها في : كتبت بالقلم. وعلى الثاني للمصاحبة. مثلها في : أسندت ظهري بالحائط. وعلى الثالث للسببية. والوجه الأول ضعيف من حيث إن مقتضاه أن تفريق البحر وقع ببني إسرائيل والمنصوص عليه في التنزيل أن البحر إنما انفرق بعصا موسى. قال تعالى : ( أن اضرب بعصاك البحر ، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ) [الشعراء : 63] فآلة التفريق العصا لا بنو إسرائيل ( فأنجيناكم ) أي من الغرق بإخراجكم إلى الساحل ( وأغرقنا آل فرعون ) أريد فرعون وقومه. وإنما اقتصر على ذكرهم للعلم بأنه أولى به منهم ( وأنتم تنظرون ) أي إلى ذلك وتشاهدونه لا تشكون فيه. ليكون ذلك أشفى لصدوركم وأبلغ في إهانة عدوكم.

وكانت قصة إغراق آل فرعون المشار لها في هذه الآية ، على ما روي ، أن الحق تعالى لما شاء إخراج بني إسرائيل من مصر من بيت العبودية ، أوقع في نفس فرعون أن يطلقهم من مصر. بعد إباء شديد منه ورؤية آيات إلهية كادت تحل به وبقومه البوار. فدعا موسى وهارون وقال : اخرجوا من بين شعبي أنتما وبنو إسرائيل جميعا. واذهبوا اعبدوا الرب كما تكلمتم. فلما ارتحلوا وأخبر فرعون أن الشعب قد هرب ، تغير قلبه عليهم ، وقال : ماذا فعلنا حتى أطلقناهم من خدمتنا؟ فشد مركبته وأخذ

Страница 304