206
واعلم أني ميتٌ لا محالةً ... فلا جزعًا إن كنت ذلك تعلم فأراد خوذة قتله فمنعه أصحابه حتى يذهبوا به إلى حارثة. فلما انتهوا إليه قال له حارثة: يا كليب أنت أسير. فقال: من ير يومًا ير به! فذهبت مثلًا. فدفعه إلى خوذة فخنقه حتى مات. ومنهم هدبة بن خشرم قتل ابن عم له يسمى زيادة بن زيد فحبس ليقاد به، فلم يزل محبوسًا حتى شبّ ابن المقتول فدخل عليه السجن وهو يلاعب صاحبًا له بالشطرنج فقيل له: قم إلى القتل! فقال: حتى أفرغ من لعبتي. فلما فرغ خرج وجعل يهرول. فقيل له: ما بالك تأتي الموت هكذا؟ فقال: لا آتيه إلا شدًا. فلقيه عبد الرحمن بن حسان فقال: أنشدني. فأنشده: ألا عللاني قبل نوح النوائح ... وقبل اطلاع النفس بين الجوانح وقبل غدٍ يا لهف نفسي على غدٍ ... إذا راح أصحابي ولست برائح إذا راح أصحابي وخُلّفت ثاويًا ... بداويةٍ بين المتان الضحاضح قال: ثم أقعد ليقاد فنظر إلى أبويه فقال: أبلياني اليوم صبرًا منكما ... إن حزنًا منكما بادٍ لشرّ لا أرى ذا الموت يبقي أحدًا ... إن بعد الموت دار المستقرّ ثم نظر إلى امرأته فقال لها: لا تنكحي إن فرق الدهر بيننا ... أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا وكوني حبيسًا أو لأروع ماجدٍ ... إذا ضنّ أغساس الرجال تبرُّعا فمالت زوجته إلى جزار فأخذت مديته فقطعت بها أنفها وجاءته مجدوعة فقالت: أتخاف أن يكون بعد هذا نكاح؟ فرسف في قيوده وقال: الآن طاب الموت. فلما قُدّم ليقاد بابن عمه وأخذ ابن زيادة السيف فضوعفت له الدية حتى بلغت مائة ألف درهم، فخافت أم الغلام أن يقبل ابنها الدية ولا يقتله فقالت: أعطي الله عهدًا لئن لم تقتله لأتزوجنه فيكون قد قتل أباك ونكح أمك! فقتله. قال: ولما واقع طلحة والزبير عثمان بن حنيف عامل علي بن أبي طالب، ﵁، على البصرة خرج حكيم بن جبلة العبدي فشدّ عليه رجل من أصحاب طلحة فقطع رجله، فزحف إلى رجله حتى أخذها ورمى بها قاطعها فقتله، ويقول: يا رجل لا تراعي، فإن معي ذراعي. ثم حبا إلى المقتول فاتكأ عليه. فقيل له: يا حُكيم من ضربك؟ فقال: وسادتي. وعن معاذ بن الجموح قال: سمعت الناس يوم بدر يقولون: أبو الحكم لا يخلصنّ إليه. يريدون أبا جهل. فلما سمعتها جعلته من شأني فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطننت قدمه بنصف ساقه، فوالله ما شبّهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضحة النوى. قال: وضربني عكرمة بن أبي جهل على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي فأجهضني القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت عليها قدمي ثم تمطيت بها حتى طرحتها. قيل: ولما حمل رأس محمد بن عبد الله بن الحسن إلى المنصور من مدينة الرسول، عليه وعلى آله السلام، قال لمطير بن عبد الله: أما تشهد أن محمدًا بايعني؟ قال: أشهد بالله لقد أخبرتني أن محمدًا خير بني هاشم وأنك بايعت له. قال: يا ابن الزانية أنا قلت؟ قال: الزانية ولدتك. قال: يا ابن الزانية الفاعلة أتدري ما تقول؟ قال: التي تعني خير من أمك. فأمر به فوتّد في عينيه فما نطق. قيل: وقدم أعرابي على عمر بن الخطاب، ﵁، يستحمله فقال: خذ بعيرًا من إبل الصدقة. فنظر إلى بعير منها فتعلق بذنبه ونازعه البعير فاقتلع ذنبه. فقال عمر: هل رأيت أشدّ منك؟ قال: نعم، خرجت بامرأة من أهلي أريد بها زوجها فنزلت منزلًا أهله خلوف، فدنوت من الحوض فإذا رجل قد أقبل ومعه ذود له فصرف ذوده إلى الحوض وأقبل نحو المرأة ولا أدري ما يريد، فلما قرب منها ساورها فنادتني فلما انتهيت إليه كان قد خالطها فجئت أدفعه فأخذ رأسي فوضعه بين ذراعه وجنبه فما استطعت أن أتحرك حتى قضى ما أراد، ثم قام فاضطجع وقالت: نعم الفحل هذا لو كانت لنا منه سخلة. فأمهلت حتى امتلأ نومًا ثم قمت إليه فضربت ساقه بالسيف فأطننتها، فوثب فهربت وغلبه الدم فرماني بساقه فأخطأني وأصاب بعيري فقتله. فقال عمر: فما فعلت المرأة؟ فقال: هذا حديث الرجل. فكرر عليه مرارًا كل هذا يقول هذا حديث الرجل.

1 / 206