الفكر إذن قدر، فكيف نشارك في هذا القدر، وهو - كما نعلم - قدر تعيس؟ والمفكر قد انتهى به التفكير إلى الجنون، فما الذي يغرينا بصحبته، ونحن نحاول أن نحافظ على البقية الباقية من عقلنا، في عالم يحملنا كل شيء فيه على الموت أو الجنون؟! لنحاول أن نغوص في هذا التفكير، وسنجد أننا نغوص في متاهة تسلمنا إلى متاهة، ولنجرب أن نمسك بخيوط هذا القدر، وسنرى أنها تتشابك وتتعقد، بحيث تسوقنا في النهاية إلى ظلام لا يمكن الاهتداء فيه، أو غموض لا سبيل إلى التعبير عنه، ومع ذلك فلا داعي لليأس قبل أن نخطو الخطوة الأولى على الطريق! ولنحاول أن ننظر في شيء يعبر عن هذا الفكر أو يصور قدره.
من أهم الشواهد التي تعبر عن قدر نيتشه في المرحلة الأخيرة من حياته تلك القصائد التي يسميها بأناشيد ديونيزيوس، وهي مجموعة من الأشعار ذات إيقاع حر، تنتمي للمرحلة التي وضع فيها كتابه «زرادشت»، وإن لم يجمعها أو يدونها في صورتها النهائية إلا قبل إصابته بالجنون بزمن قليل، إنه يقول في إحدى هذه القصائد أو «الديثيرامب»
1
التي جعل عنوانها «بين الطيور الجارحة»:
الآن
مفردا معك،
مثنى في معرفتي
بين مئات المرايا.
مزيف أمامك أنت
بين مئات الذكريات،
Неизвестная страница