12
والتشيؤ يضم الرباع الفريد في لحظه وفي موضع نشير إليه قائلين: «هذا الشيء!»
تحدثنا عن القرب والبعد في مبدأ هذا المقال، قلنا: إننا نعيش في عصر انكمشت فيه الأبعاد وطويت المسافات. وبالرغم من ذلك فقد كتب علينا أن نبقى غرباء عن الأشياء وتبقى غريبة عنا. نحن إذن لا نقترب من الأشياء، وهي لا تقترب منا، ونحن نعيش في حال تختلف عن أحوال آبائنا الأولين، وعن الفنان والشاعر الذي يكاد يضم الأشياء إلى صدره ويحس نبضها على قلبه، ويلمس طبيعتها العذراء بين يديه. والآن نسأل: ما هو القرب؟
للإجابة على هذا السؤال رحنا نفتش عن شيء قريب منا، فلما وجدنا الجرة رحنا نفكر في ماهيتها كشيء، وبعد أن وجدنا حقيقة الشيء من حيث هو كذلك أحسسنا بأننا نزداد قربا من حقيقة القرب، «فالشيء يتشيأ» وهو في تشيئه يجمع الأرض والسماء والفانين والخالدين، ويقرب هذه العناصر الأربعة بعضها من بعض بعد أن كانت بعيدة غاية البعد،
13
في هذا «التقريب» تكمن حقيقة القرب، غير أن «القرب» يخفي حقيقته عنا، حتى لنستطيع أن نقول: إن أقرب الأشياء إلينا هو في الوقت نفسه أبعدها عنا ... الشيء يجمع العناصر الأربعة: يضم الأرض والسماء، ويجمع الفانين والخالدين.
الوجود على الأرض معناه كذلك الوجود تحت السماء، والوجود الفاني يكون كذلك بقدر ما يتصور ذاته في مقابل وجود خالد غير محدود.
والعناصر الأربعة تلتقي في وحدة أصيلة تؤلف ما سميناه «بالرباع الفريد».
الأرض هي المهد واللحد ، الغذاء والثمر ينبعان من قلبها، الماء واليابسة يمتدان على صدرها، النبات والحيوان يعيشان على خيرها ويلقيان نصيبهما من حنانها.
إن ذكرنا الأرض رجع بنا الفكر إلى العناصر الثلاثة الأخرى، في وحدة الرباع الفريد، السماء هي مشرق الشمس ومغربها، ومطلع القمر وانحداره، وانبلاج النهار وغسق المساء، ورهبة الليل وروعة النجوم، وأحوال الطقس ودورة الفصول، وموكب السحاب وزرقة الأثير.
Неизвестная страница