Идеальный город на протяжении истории
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Жанры
هناك بعض الشك فيما إذا كانت «أطلنطا الجديدة» تعتبر مجتمعا مثاليا أو وصفا لمعهد علمي مثالي، ولكن المؤكد أن يوتوبيا بيكون ليست متعددة الجوانب مثل يوتوبيا مور أو كامبانيلا. والواقع أن وصف هذه «الخرافة» في العنوان الفرعي بأنها شذرة ناقصة، يمكن أن يدفعنا إلى الاعتقاد بأن المعهد العلمي العالي، أو بيت سليمان، لم يكن سوى تنظيم علمي واحد بين تنظيمات أخرى كان بيكون ينوي أن يقدم وصفا لها. ويقول الدكتور «رولي»
Dr. Rawley
وهو القسيس الملحق بقصره والقيم على تركته الأدبية، إن فخامة اللورد «تصور أنه قد وضع بهذه الخرافة إطارا للقوانين السائدة في أفضل شكل للدولة أو للمجتمع يمكن تخيله، ولكن إحساسه بأن هذا العمل يمكن أن يستغرق منه وقتا طويلا، جعله ينصرف عنه إلى إشباع رغبته في جمع التاريخ الطبيعي، وهي المهمة التي كان يفضلها ويعطيها الأولوية عليه.»
وسواء اتجهت نية بيكون إلى كتابة الجزء الثاني من «أطلنطا الجديدة» أم لا، فقد كان من المستبعد عليه أن يغير الطابع الأساسي لمجتمعه، وهو إعطاء العلم والعلماء الدور الرئيسي فيه. وكما فعل أفلاطون، الذي وصف بالتفصيل القوانين التي تحكم حياة الحراس، ولم يذكر إلا القليل عن الطبقات الأخرى (في جمهوريته)، كذلك نجد بيكون لا يهتم إلا بالتنظيمات الخاصة بحراسه، وهم أعضاء بيت سليمان، وبالعمل الذي يقومون به، ولكنه لا يكاد يقول شيئا يذكر عن حياة بقية الناس (في مجتمعه). ومع ذلك فإن ما لم يقله لا يقل أهمية عما قاله، وليس هناك ما يشغله هو وأفلاطون إلا الطبقة الحاكمة، لأنها في رأيهما هي الطبقة الوحيدة التي تستحق الاهتمام. وبهذا المعنى يمكن أن تعد «أطلنطا الجديدة» مجتمعا مثاليا.
لقد حاز عمل بيكون الإعجاب لكونه أول وصف يقدم لمعهد علمي كامل يقوم على أساس العلم التجريبي. وسواء أكان مشروعه في حقيقة الأمر هو الأول من نوعه، أم كان قد اقتبسه من كتابات أندريا وكامبانيلا، أو من الأكاديميات العلمية التي نشأت في إيطاليا خلال عصر النهضة، فقد أثارت هذه المسألة حولها خلافا طويلا. وبغير الدخول في تفاصيل الخلاف، يمكننا أن نقرر باطمئنان أن فكرة إقامة معهد مختص بالبحث العلمي كانت فكرة شائعة عندما خطط بيكون مشروعه، وأن أهمية العلم التجريبي كانت محل تقدير العديد من الفلاسفة الذين سبقوه. ولو نظرنا إلى عمله في سياق ما تم إنجازه في أيامه لتبين لنا، كما يلاحظ هارالد هوفدنج
Harald Hoffding
أن «هذا الرجل، الذي طالما وصف بأنه مؤسس العلم التجريبي، قد لا يستحق حتى أن يسمى باسم موسى الذي رأى الأرض الموعودة. صحيح أنه كان يملك نوعا من البصيرة التنبئية، وأنه كثيرا ما عبر تعبيرا ملهما عن أفكار أنارت مسيرة البحث الإنساني، وكان بالإضافة إلى ذلك على وعي كامل بموقفه المعارض للنزعة المدرسية، غير أن الأرض الموعودة كانت قد فتحت بالفعل - وإن لم يشعر بذلك - بفضل دافنشي وكبلر وجاليليو. إنه يعلن في تواضع أنه ليس محاربا، بل مجرد داعية محرض على القتال. ولكن الرواد الذين وضعوا أسس العلم التجريبي الحديث لم يكونوا في حاجة إلى سماع صوت البوق الذي نفخ فيه لكي يحفزهم على النضال.»
وإذا كان بيكون قد نال الثناء والتقدير العظيم لأصالة أفكاره الفلسفية، فلم ينكر أحد أنه كان أول فيلسوف تطلع إلى تجديد المجتمع عن طريق العلم. وقد ألقي عبء هذا التجديد في اليوتوبيات السابقة على عاتق التشريع الاجتماعي، أو الإصلاحات الدينية، أو نشر المعرفة، وحتى عندما كان العلم يحتل مكانا مهما، كما في مدينة الشمس أو مدينة المسيحيين، لم يكن يتم اختيار الحكام على ضوء معرفتهم فحسب، بل على أساس فضائلهم الدينية والأخلاقية. والواقع أن للعلماء في أطلنطا الجديدة «سلطة» تفوق سلطة الملك، ولم يكن بيت سليمان جمعية تابعة للملك وتحت رعايته، كالجمعية الملكية التي استلهمت فكرتها منه. وإنما كان دولة داخل الدولة، ولديه موارد مالية غير محدودة تحت تصرفه، وله وكلاء سريون، كما له الحق في أن يحجب أسراره عن بقية أفراد الجماعة. أضف إلى هذا أن بيكون يعتبر مجددا بفضل الأهمية القصوى التي أعطاها للعلوم الطبيعية. فقد خطا خطوة إلى الأمام في اتجاه التخصص الذي بدأ يحتل مكانه في عصر النهضة ويؤذن بانتهاء عهد «الإنسان الموسوعي» الذي يهتم اهتماما متساويا بالفلسفة والفن والعلم والأدب.
وعلى الرغم من أن «أطلنطا الجديدة» تشغل حيزا ضئيلا من إنتاج بيكون الضخم، فربما صح ما قيل عنها من أنه «وضع من نفسه في هذا العمل أكثر مما وضع في أي عمل آخر». لم يكن بيكون فيلسوفا أخلاقيا مثل مور، ولا مصلحا دينيا مثل أندريا ولا فيلسوفا موسوعيا مثل كامبانيلا، لقد كان سياسيا شديد التحمس للعلم، وأطلنطا الجديدة هي في الواقع «حلم تعويضي» يتحد فيه العلم والقوة ويمسكان بزمام أعلى سلطة في الحكم. إنه الحلم بمختبرات هائلة، وأعداد كبيرة من المساعدين، وموارد مالية ضخمة، وهو شبيه بحلم أي عالم يناضل وحده بأجهزة قاصرة، ويحبطه التمويل والمساعدون. ولكنه كذلك حلم رجل سياسي محبط، أخفق إخفاقا ذريعا - برغم مواهبه وعدم افتقاره إلى الثقة بنفسه - في أن يحصل على القوة أو السلطة التي تمناها.
كان بيكون على اقتناع كامل بأن تحقيق مشروعاته الفلسفية والعلمية يحتاج منه إلى أن يكون في أحد مراكز السلطة، ولهذا اتجهت جهوده إلى السياسة. ولكن السلطة جذبته إليها كغاية في ذاتها. وقد اتحدت السلطة والمعرفة في «أطلنطا الجديدة» بصورة مثالية، ولكن تعطشه في حياته الخاصة للسلطة والمجد عوق مشروعه العلمي أكثر مما ساعده. ولنرجع مرة أخرى إلى هوفدنج الذي يقول: «لقد وجد أمامه عملا عظيما يتطلب تحقيقه وسائل قوية. وأعجب بميكافيللي واعتقد مثله أن الغاية تبرر الوسائل التي لم يكن، يشعر بأي حرج في اختيارها فقد كانت الوسائل عنده، كما كانت عند ميكيافيللي، هي صاحبة اليد العليا فوق الغاية، وكان على الغاية بدورها أن تكرس تلك الوسائل أو تجعلها مقدسة.»
Неизвестная страница