Идеальный город на протяжении истории
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Жанры
ولا بد أن مور كان سيئ الظن بتعقيدات النظام التشريعي والحيل التي كان يلجأ إليها المحامون، إذ نجده يتصرف معهم بأسلوب يتسم بالحدة والعنف: «وليس لديهم سوى القليل جدا من القوانين ، فالأشخاص الذين ربوا بهذه الطريقة لا يحتاجون إلا إلى القليل جدا منها. والخطأ الأساسي الذي يأخذونه على الشعوب الأخرى هو أن كتب القانون والتفسيرات التي لا حصر لها تقريبا لا تكفيهم. أما هم فيرون أنه ليس من العدل في شيء أن جماعة من الناس تفرض عليها قوانين إما أنها أكبر عددا من أن تقرأ كلها، وإما أنها أكثر غموضا من أن يفهمها أي شخص.
وفضلا عن ذلك فإنهم ينفون كلية من بلادهم جميع المحامين، الذين يتناولون القضايا بمهارة ويناقشون الأمور القانونية بدهاء. ويرون من الخير أن يقوم الشخص بالدفاع عن قضيته ويقول للقاضي ما سيقوله للمحامي. وهكذا يقل الغموض وتتكشف الحقيقة بسهولة أكبر، عندما يقوم شخص، لم يعلمه محام الخداع، بتقديم قضيته، ويزن القاضي بحذق كل جملة يقولها، ويساعد ذوي العقول غير المدربة على دحض اتهامات اللئام الكاذبة، وهذا ما يتعذر تحقيقه في البلاد الأخرى، نظرا للكمية الضخمة من القوانين البالغة التعقيد. أما اليوتوبيون فكل شخص منهم خبير بالقانون، أولا، لأن قوانينهم قليلة جدا. وثانيا، لأنهم يرون أن أوضح تفسيرات القانون هي أصح التفسيرات.»
38 «أما فيما عدا ذلك من جرائم (جرائم الخيانة الزوجية)، فليست لديهم عقوبات ثابتة يحددها القانون، بل يفرض المجلس العقوبة تبعا للجريمة، ودرجة شناعتها، أو احتمال الصفح عنها، كل على حدة. ويؤدب الأزواج زوجاتهم والآباء أبناءهم، إلا إذا كان الخطأ من الخطورة بحيث يصب في عقابه علنا فائدة للأخلاق العامة. وتعاقب أسوأ الأخطاء عادة بالعبودية.»
39
أظهرنا حتى الآن الجانب المشرق للحياة في يوتوبيا. فإلغاء الملكية والأجور، والربط العقلاني المتكامل للزراعة مع الصناعة، وتخفيض ساعات العمل، والفرص الممنوحة للتوسع في الدراسة، ربما تثير إعجابنا إلى حد كبير. ولكن ربما يكون من الصعب علينا أن ننجذب إلى الجدول الزمني الصارم الذي يتحكم في أوقات العمل ووقت الفراغ والنوم، إذ كيف يمكن - كما يقول رابليه - «أن يكون هناك تخريف أفظع من تسيير حياة الإنسان وتوجيهها على دقات جرس، لا على أساس حكمة الشخص وتمييزه؟» ومن الصعب أيضا أن تلائم أذواقنا الحديثة القوانين التي تتحكم في الزواج، كما أن من حق النساء أن يترددن أمام فكرة «طاعة الأزواج وخدمتهم» بوصفها لا تعبر تعبيرا دقيقا عن فكرتهن حول اليوتوبيا .
وتتضمن يوتوبيا مور، فضلا عن ذلك، بعض الملامح والسمات التي تسبب المزيد من الصدمات. وهناك طبقة العبيد التي لا تقارن في الواقع بمثيلتها في دولة ليكورجوس من حيث الكثرة أو قسوة المعاملة، إلا أنها نظام قائم على كل حال. ومع أن العمل لا يلقى على عاتق العبيد وحدهم، فالجماعة بأكملها تكلف بنوع من أنواع العمل النافعة، إلا أن المواطنين الأحرار يعفون مما يصفه مور «بالعمل القذر». ولا يشكل طبقة مغلقة كما في بلاد اليونان القديمة، ولكنهم يجندون بالطريقة التالية: «لا يصبح أسرى الحرب عبيدا، إلا إذا أسروا في معارك خاضها اليوتوبيون أنفسهم، كما لا يصبح أبناء العبيد عبيدا، ولا أبناء أي شخص آخر كان عبدا عندما أحضر من بلد أجنبي. فالعبيد عندهم، إما أولئك الذين حكم عليهم بأن يصبحوا عبيدا في بلادهم عقابا على جرائم منكرة ارتكبوها، وإما أولئك المحكوم عليهم بالموت في مكان آخر عقابا على خطأ ما. وينتمي العدد الأكبر إلى النوع الثاني. ويجلبون منهم الكثيرين، يشترونهم بأثمان بخسة أحيانا، ويحصلون عليهم دون مقابل أحيانا أخرى. وهم لا يلزمون هذا النوع من العبيد بالعمل الدائم فحسب، بل بالبقاء موثقين بالأغلال أيضا. أما العبيد من أبناء بلدهم فيعاملونهم بقسوة أشد، لأن سلوكهم يعد أكثر إثارة للأسى وأكثر استحقاقا للعقوبة الصارمة كمثل رادع، لأنهم، وقد ربوا تربية ممتازة في ظل حياة فاضلة، لم يتسن منعهم من الإجرام.
وهناك نوع آخر أيضا من العبيد. وهم أولئك الذين يعملون بأحط أنواع الأعمال وأشقاها في بلد آخر ويفضلون أن يصبحوا عبيدا في يوتوبيا. ويعامل هؤلاء الأفراد معاملة حسنة، ويكادون أن يعاملوا بنفس الرقة تقريبا التي يعامل بها المواطنون، فيما عدا أنهم يكلفون بقدر أكبر قليلا من العمل، نظرا لأنهم قد اعتادوا ذلك في بلادهم. فإذا أراد أحدهم الرحيل، وقلما يحدث ذلك، فلا يحتجزونه على غير إرادته ، ولا يتركونه يرحل خالي اليدين.»
40
وإذا كانت عقوبة الإعداد لا توقع إلا نادرا في يوتوبيا، فإن ذلك يرجع لأسباب نفعية أكثر منها إنسانية أو أخلاقية: «تعاقب أسوأ الأخطاء عادة بالعبودية، لأنهم يرون أن هذه العقوبة ليست أقل رهبة للجرم، وهي أكثر فائدة للدولة من الإسراع بإعدام المجرمين والتخلص منهم مباشرة، فعملهم أكثر فائدة من موتهم.»
41
Неизвестная страница