Идеальный город на протяжении истории
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Жанры
وبعد أن اطمأن ليكورجوس على استقرار الحكم، وجه اهتمامه إلى المشكلات الاجتماعية. فقد صدمته الفروق الكبيرة بين الأغنياء والفقراء، وصمم على إعادة توزيع الأرض الزراعية. والواقع أن حالة عدم المساواة لم تصدمه، كما سنرى فيما بعد، لأسباب إنسانية خالصة بل لأسباب سياسية، فالثروة ذات تأثير سيئ على الأغنياء، كما أنها تزعزع استقرار الدولة، وهذا الموقف أبعد ما يكون عن موقف الاشتراكيين المحدثين، الذين يهتمون بالمعدة الخاوية للفقراء أكثر من اهتمامهم بالتأثير المفسد للثروات الطائلة على الأغنياء، ولكن ليكورجوس، رغم أنف هؤلاء الذين يريدون أن يجعلوه جدهم الأكبر، لم يكن هو حامي المعدمين والعبيد، كما أن إعادة توزيع الثروة قد تمت داخل الطبقة الحاكمة. لقد كان هدفه هو رفع «البرجوازية الصغيرة» و«الطبقة الرأسمالية» إلى نفس المستوى لتكوين بنية اجتماعية متجانسة وموحدة، ولم يكن هدفه على الإطلاق هو إلغاء الطبقات أو الطوائف. ولو أغفلنا كل ما سبق قوله لاكتسبت الرواية التالية نكهة شيوعية قوية:
كان التقسيم الجديد للأراضي الزراعية هو المشروع السياسي التالي والأكثر جرأة. فقد وجد ليكورجوس أن التفاوت الاجتماعي هائل، وأن المدينة تكتظ بالعديد من المعدمين الذين لا يملكون أرضا، بينما تتركز الثروة في أيدي فئة قليلة. ولما كان قد عقد العزم على أن يستأصل شرور الوقاحة والحسد والجشع والترف، وكل المفاسد المتأصلة في الدولة المتحكمة في مصيرها، وأعني بها الفقر والثراء، فقد أقنعهم بإلغاء كل التقسيمات السابقة للأراضي ليضع تقسيما جديدا يحقق المساواة الكاملة بينهم في الملكية وطريقة المعيشة. وإذا كانوا يطمحون إلى التميز، فعليهم أن يلتمسوه في الفضيلة، إذ لم يبق من اختلاف بينهم، إلا ذلك الذي يجلبه عار الأفعال الدنيئة، أو الثناء على الأفعال الخيرة. وقد وضع اقتراح ليكورجوس موضع التنفيذ، فخصص تسعة آلاف قطعة لإقليم أسبرطة، ووزعها على عدد كبير من المواطنين، وثلاثين ألف قطعة للسكان في بقية أنحاء أسبرطة. ويقول البعض: إنه خصص ستة آلاف للمدينة، وأن بوليدوروس أضاف ثلاثة آلاف فيما بعد، أما البعض الآخر فيقول: إن بوليدوروس ضاعف العدد الذي حدده ليكورجوس، وهو أربعة آلاف وخمسمائة قطعة. وكانت كل قطعة أرض تغل سبعين «بوشل»
16
من الحبوب لكل رجل، واثني عشر لكل امرأة، بالإضافة إلى كمية متناسبة من النبيذ والزيت. وقد رأوا أن هذه الحصة كافية للمحافظة على صحة الفرد وسلامة بدنه، وأنهم لا يحتاجون إلى شيء آخر أكثر من ذلك. وهناك حكاية تروى عن مشرعنا، فبعد عودته من جولة في الحقول التي تم حصدها، ورؤيته لأكوام المحاصيل المتساوية، ابتسم وقال لبعض مرافقيه: «ما أشبه أسبرطة بمزرعة جديدة مقسمة بين عدد كبير من الإخوة.»
وشرع ليكورجوس بعد ذلك في تقسيم الملكية المنقولة، ولكنه كان أقل نجاحا في إقناع الأسبرطيين، واضطر إلى اتخاذ إجراءات غير مباشرة جعلت المال يصبح بصورة أو أخرى عديم القيمة.
فقد بدأ بوقف تداول العملة الذهبية والفضية، وأمر باستخدام النقود الحديدية فقط، ثم قلل من كميات كبيرة وأوزان ضخمة من هذه النقود، بحيث تطلب تخزين عشرة «مينات»
17
مساحة حجرة كاملة، كما احتاج نقلها من مكانها إلى ثورين على أقل تقدير. ولما شاع هذا بين الناس اختفت من أسبرطة ألوان عديدة من الظلم. فمن ذا الذي يفكر بعد ذلك في أن يسرق أو يأخذ رشوة، ومن ذا الذي يخطر على باله أن يحتال على غيره أو ينهبه، إذا كان سيعجز عن إخفاء الغنيمة، ولا يشرفه امتلاكها ولا استخدامها حتى لو قسمت إلى قطع صغيرة؟ فقد سمعنا أن الأسبرطيين كانوا يعرضونها للحرارة ثم يغمسونها في الخل لكي يجعلوها صلبة غير قابلة للثني، ومن ثم غير صالحة لأي استخدام آخر. يضاف إلى هذا أنه استبعد المصنوعات الحرفية غير الضرورية التي لا تدر أي ربح، والواقع أنه لو لم يفعل ذلك لسقطت من تلقاء نفسها؛ لأن تداول العملة الجديدة كان كفيلا بأن يوقف الطلب عليها. ولم يكن من المستطاع أن يتم التعامل بعملتهم الحديدية في بقية أنحاء اليونان؛ إذ إنها أصبحت موضع السخرية والاحتقار، وترتب على هذا أن الأسبرطيين عجزوا عن شراء أي سلع أجنبية أو أي سلع مغرية، كما أعرضت السفن التجارية عن تفريغ حمولتها في موانئهم. وترتب على ذلك أيضا أن اختفى من بلادهم كل أثر للسوفسطائيين، وقارئي الطالع المتجولين، وأصحاب البيوت السيئة السمعة، وبائعي الحلي الذهبية والفضية، وذلك كله لسبب بسيط هو وقف التعامل بالنقود. وهكذا اختفى الترف من تلقاء نفسه، بعد أن فقد بالتدريج كل الوسائل التي كانت تعمل على ترويجه وتدعيمه، وحتى الذين كانوا يملكون (من أدوات الترف) كميات ضخمة لم يستطيعوا الاستفادة منها، إذ لم يكن في الإمكان عرضها بصورة علنية، ولكن كان من الضروري أن تقبع في حالة ركود في المخازن الخفية. ونتج عن هذا أن ظهرت براعة الصنعة في أثاثهم النافع والضروري، كالأسرة والكراسي والموائد، كما أن الكأس الأسبرطية المشهورة التي تسمى كوثون
Cothon ، كما يخبرنا كريتاس، كانت عالية القيمة، وخصوصا خلال الحملات العسكرية؛ ذلك لأن الماء الذي يوضع في هذه الكأس، بحيث تبقى هذه العكارة على الحواف، يصل نقيا إلى الشفتين. والحقيقة أن المشرع كان هو المسئول عن كل هذه الإصلاحات، إذ اتجه الصناع الذين لم يعد يطلب منهم أحد صنع الأشياء المثيرة لحب الاستطلاع، إلى إظهار براعتهم الفنية في الأشياء الضرورية.
وملاحظات بلوتارك عن الكأس الأسبرطية تكتسب طابعا حديثا، بحيث يمكن اعتبارها تعريفا لما نسميه اليوم «بالفن الوظيفي ». وعلى أي حال فقد ضيق على التعبير الفني في أسبرطة، والأمر التالي الذي أصدره ليكورجوس يعطي فكرة عن قسوة ذلك التقشف الأسبرطي الذي صار مضرب الأمثال: «وكانت هناك أوامر أخرى لمحاربة الفخامة والإسراف في النفقات، وتقضي بألا تشيد سقوف المنازل بأداة أخرى غير الفأس، ولا تصنع الأبواب إلا بالمناشير، وكما يروى عن إيبامينونداس
Неизвестная страница