Идеальный город на протяжении истории
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Жанры
وعندما يبحث المرء، على سبيل المثال، عن أصلح مكان في المدينة لإقامة معسكراتهم، فإنهم لا يكتفون باختيار الموقع الذي يمكنهم من الرد على الهجمات الخارجية، وإنما يختارون الموقع الذي «يمكنهم كذلك من التصدي لأي خروج على القانون داخل المدينة».
وعلينا أن نتذكر أيضا أن الحراس يتمتعون، في نظر الشعب، بنوع من السلطة الدينية المقدسة؛ فهم مخلوقون من ذهب، ومفضلون على سائر الناس. والذي يثبت أن مثل هذه الأسطورة يمكن تصديقها، هو الاعتقاد الذي ساده لعدة قرون بأن الملوك هم ممثلو الإله على الأرض. وقد أدرك أفلاطون بوضوح أنه يمكن قيام الدولة إذا وضعت الطبقات المنتجة تحت سيطرة طبقة تدين بقوتها للهيمنة العسكرية والدينية. ولو استعرضنا التاريخ كله لرأينا أن وجود الدولة يتضمن تقسيم المجتمع إلى طبقات، ولكن قوة الطبقة الحاكمة لا ترجع بالضرورة إلى ثروتها الاقتصادية، وإنما ترجع إلى وجود أيديولوجيا تكسو هذه الطبقة برداء سلطة أعلى تدعمها القوة المسلحة.
لقد وصف أفلاطون بأنه «يعتبر من بعض النواحي أعظم الثوريين، كما يعد من نواح أخرى أكبر الرجعيين». ولعل الأدق من ذلك أن نقول إنه أكبر ممثل للنزعة الشمولية. فعلى الرغم من أن دولته المثالية يحكمها الفلاسفة، فليس فيها من الحرية أكثر مما لو خضعت لحكام الأقاليم. والواقع أن الحرية فيها أقل؛ لأن الفلاسفة أقدر من هؤلاء على سحق الحرية، وذلك بحكم أنهم أقدر على الكشف عن أي فكرة معارضة لأفكارهم. وهم على استعداد للسماح للمواطنين بقدر ضئيل من الحرية في أمور قليلة الشأن مثل التجارة، أما في شئون الفن والتربية، أي في كل ما يتعلق بالحرية العقلية، فهم قساة لا يعرفون الرحمة على الإطلاق. كما أنهم لا يسمحون بأي تجديد أو ابتكار في مجال التعليم لاعتقادهم بأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة: - إذن فعلى حراس الدولة أن يحذروا من أن يفسد أي شخص كما يشاء له هواه، لأن من واجبهم أن يكونوا في يقظة دائمة، لئلا يأتي أحد ببدع مضادة للنظام المتبع في تربية الجسم والنفس. فإذا ما قال الشاعر: «إن الناس يميلون خاصة إلى إحداث ما ينشده المغنون من أغنيات.» فليحرصوا كل الحرص على ألا يتوهم أحد أن الشاعر يقصد طريقة جديدة في الغناء، لا أغنيات جديدة، أو أنه يحض الناس على اتباع هذه البدعة. فليس لنا أن نطري قول الشاعر هذا، ولا أن نفسره على هذا النحو؛ إذ إن ابتداع طريقة جديدة في الموسيقى شيء يجب أن نحذره، ففي ذلك إفساد تام للمجتمع، إذا كان صحيحا ما يقول به دامون
Damon ، وما أومن به بدوري، من أن المرء لا يستطيع تغيير طرق الموسيقى دون أن يقلب معها الموازين الأساسية للدولة رأسا على عقب. - ينبغي أن تدرجني أنا أيضا ضمن أنصار هذا الرأي. - ففي ميدان الموسيقى هذا إذن يتعين على الحراس أن يكونوا يقظين في حراستهم. - من المؤكد أن خرق قوانين الدولة يتم في هذا الميدان بسهولة بحيث لا يشعر به أحد. - أجل، إنه ليتم باسم اللهو، دون أن يبدو على المرء أنه يرتكب شيئا ضارا. - تماما، فهذه هي الطريقة التي يحدث بها، إنه ليثبت أقدامه رويدا رويدا، ويتغلغل خلسة في عادات الناس وطباعهم، حتى إذا ما تمكن من نفوسهم، انتقل إلى المعاملات التي تسير عليها الحكومة بكل جرأة، بحيث لا يترك في النهاية شيئا إلا وقوض أركانه، سواء في الحياة الخاصة أو في الحياة العامة.
15
من الضروري في جمهورية أفلاطون أن تتماشى الموسيقى والأدب والعمارة والتصوير مع معايير أخلاقية معينة. ويتوقف الفن عند كونه تعبيرا عن الشخصية الفردية؛ لأن عليه أن يخدم مصالح الدولة وحسب. والدولة هي التي تحدد ما هو خير وما هو شر، وما هو جميل أو قبيح. ولهذا يجب أن تمنع الآلات الموسيقية والإيقاعات التي «تعبر عن الانحطاط والغرور، أو عن الجنون أو غيره من الشرور»، كما يجب أن يجبر الشعراء على أن «يطبعوا على قصائدهم صورة الخير وحده أو يمنعوا من قرض الشعر»، وإذا لم يستجيبوا لهذا فيجب أن يطلب منهم مغادرة المدينة. ولا بد أن يعبر التصوير والنسيج وأشغال الإبرة والعمارة والحرف الفنية الأخرى عن الإيقاع الجيد والانسجام، وإن كان من الواضح أن أفلاطون يعني بهما الإيقاع والانسجام اللذين تقرهما الدولة.
وقد أدرك أفلاطون إدراكا واضحا العلاقة بين الفن والأخلاق أو، كما نقول الآن ، بين الفن والسياسة. وعلى الرغم من زعمه أنه يدافع عن الحقيقة والجمال، فمن الواضح أنه يريد المحافظة على استقرار الدولة من التأثير الضار للفن الحر. ولهذا فإن عمارة المنازل، شأنها شأن القصيدة، يمكن أن تكشف عن اتجاهات معينة يصفها بأنها خيرة أو شريرة، ومؤيدة للدولة أو ثائرة عليها. لقد تعودنا، منذ أن نشأت الدول الشمولية الحديثة، على وجهة النظر التي تعتبر أن الفنانين يمكن أن يكونوا أعداء خطرين على الدولة، ولا يرجع ذلك فحسب للأفكار التي يعبرون عنها، وإنما يرجع إلى الشكل الذي يمكن أن يتخذه فنهم. وفي السنوات الأخيرة دمرت أو صودرت أعمال فنية؛ لأنها اعتبرت من مظاهر الانحلال البرجوازي، كما تمت «تصفية» كتاب وشعراء وموسيقيين بحجة أنهم مناهضون للثورة أو برجوازيون صغار. ولم يكن من قبيل المصادفة أن يبدأ وصف جمهورية أفلاطون وينتهي بالهجوم على حرية الفنان، وهو في الحقيقة هجوم على حرية الفكر؛ لأنه لم توجد في عصر أفلاطون كتب أو دور نشر، ولم يكن من الممكن أن تظهر أفكار الناس إلا من خلال التعليم الذي كانوا يقومون به أو من خلال إنتاجهم الأدبي والفني. إن المهمة الأولى التي تحرص عليها أي حكومة شمولية هي قمع تلك الحرية، ومحاولة جعل الفنان أداة في يد الدولة، الأمر الذي يؤدي حتما إلى ركود الفن وتدهوره في ظل النظم الشمولية. والفن لا يمكنه أن يصل إلى أسمى تعبير عنه إلا عندما يسمح له بأقصى قدر من الحرية، وهو ما يمكن أن يدل عليه ثراء الإنتاج الفني وتنوعه عند الإغريق. ولو كانت بلاد اليونان القديمة جمهورية شمولية كما تخيلها أفلاطون، بدلا من أن تكون اتحادا فيدراليا بين مدن حرة، لما استطاع رجال مثل هوميروس وسوفوكليس وأرسطوفان، وحتى أفلاطون نفسه، أن ينتجوا روائعهم الأدبية.
إن هذا في حد ذاته سبب كاف لأن يجعلنا نأمل، من صميم قلوبنا، ألا يتحقق أبدا في المستقبل نظام اجتماعي كالنظام الذي يصفه أفلاطون في الجمهورية . ولكن غياب الحرية العقلية ليس هو الشيء الوحيد المنفر في دولة أفلاطون المثالية. فالفكرة التي تقول إن كل إنسان قد وهب القدرة على القيام بمهمة واحدة، ومهمة واحدة فقط، مما أدى إلى التقسيم المصطنع للمواطنين إلى منتجين وجنود وحكام، هي فكرة بعيدة كل البعد عن أبسط الملاحظات النفسية. وإذا كان من المؤكد أن بعض الناس قد وهبوا قدرات تفوق قدرات غيرهم على القيام بمهمات معينة، فإن إنسانا واحدا بعينه يمكن أن ينجز أنشطة متعددة بنفس الكفاءة، وأن تؤدي اهتماماته المتعددة إلى إغناء شخصيته. ولا يستطيع أفلاطون أن يقنعنا كذلك بأن بعض الناس قد ولدوا «بطبيعتهم» لكي يتولوا الحكم، بينما ولد غيرهم لكي يكونوا محكومين؛ لأننا نجد على مر التاريخ أمثلة كثيرة لمجتمعات مزدهرة شارك كل أعضائها في النهوض بشئونها. ولا يملك المرء إلا أن يصفق إعجابا بإرازموس الذي يهزأ، تحت قناع الحماقة، بأفلاطون بسبب ثقته المفرطة في حكم الفلاسفة: «أضف إلى ذلك الثناء الشديد على عبارة أفلاطون الشهيرة: «سعيدة هي الدولة التي يكون فيها الفيلسوف أميرا، أو التي يكرس أميرها نفسه للفلسفة.» ولكنك لو أخذت رأي المؤرخين لوجدت أن أشد الأمراء جناية على دولهم هم الذين سقطت الإمبراطورية في عهدهم تحت رحمة بعض الذين عرفوا الفلسفة أو الأدب معرفة سطحية. والدليل الكافي على صدق هذا الرأي يقدمه أولئك الذين أطلق عليهم اسم كاتو؛ لقد كان أحدهم يزعج سلام الدولة باستمرار بالتهم المصطنعة التي لا يكف عن توجيهها. أما الآخر فقد قضى على حرية الإمبراطورية في الوقت الذي لم يكن يكف فيه عن الدفاع بكل ما أوتي من حكمة عن هذه الحرية. أضف إلى هؤلاء مجموعة الأشخاص الذين تسموا باسم بروتس أو كاسيوس، بل شيشرون نفسه، الذي لم يكن أقل إيذاء لروما من ديموستينس لأثينا. وإلى جانب هؤلاء أذكر لك أنطونينوس (الذي كان في نيتي أن أقدمه لك كمثل واحد على الإمبراطور الصالح، ولكني لا أستطيع أن أفعل هذا بغير مشقة.) فقد أصبح عبئا على رعاياه الذين أبغضوه، لا لسبب إلا لأنه كان فيلسوفا عظيما. وحتى لو سلمنا بأنه كان حاكما صالحا، فقد أضر بالدولة ضررا أشد من خلال ابنه الذي خلفه وراءه. ذلك لأن أمثال هؤلاء الرجال الذين انصرفوا للحكمة هم بوجه عام رجال سيئو الحظ، لا سيما في أولادهم، ويبدو أن الطبيعة هي التي دبرت هذا بفضل عنايتها، حتى لا تنتشر مصيبة الحكمة انتشارا أوسع بين البشر. ولهذا السبب يتضح لك لماذا كان ابن شيشرون ولدا منحلا، ولماذا كان أبناء سقراط - كما لاحظ البعض بحق - أشبه بأمهم منهم بأبيهم، أعني أنهم كانوا حمقى وبلهاء.»
ويمكن أن يتشكك المرء أيضا في فكرة أفلاطون عن التنظيمات الأسرية، التي يتعذر في رأيه أن تتوافق مع وجود دولة شمولية، بينما نجد من وجهة نظر علماء الاجتماع أن المجتمعات البدائية التي لم تظهر فيها الدولة تخلو بوجه عام من التنظيمات الأسرية. فالأسرة بعيدة كل البعد عن معاداة الدولة، بل هي ضرورية لاستقرارها؛ لأن الأطفال الذين تربوا على احترام سلطة الأب سيكونون أكثر استعدادا لتقبل سلطة الدولة. والنظم الشمولية الحديثة بدأت بمحاولة تحطيم الحياة الأسرية، سرعان ما رجعت إلى إقرار التنظيمات الأسرية، بعد أن تحققت من أنها تقدم أفضل ضمان لأمن الدولة.
وإذا كان أفلاطون قد استبد به الخوف من أن تفسد الثروة أو حتى مجرد الراحة نفوس حراسه، فلم يكن يدرك تمام الإدراك أن السلطة، كما يقول اللورد أكتون
Неизвестная страница