Идеальный город на протяжении истории
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Жанры
استطاعت الثورة الصناعية أن تفتح آفاقا جديدة، وتصور الكثيرون أنها قدمت الحل لمشاكل الفقر وعدم المساواة. وبدا أن زيادة الإنتاج لن تقف عند حد، وأنه ليس ثمة ما يمنع أي إنسان من أن يعيش كما يعيش البرجوازي. فالمساواة لن تكلف أحدا أي تضحية، ما دام المجتمع الجديد لن ينتقص من الرخاء الذي يتمتع به الأغنياء، بل سيرفع الفقراء إلى مستواهم. وإذا كانت اليوتوبيات في الماضي قد أكدت الحاجة إلى التحرر من الخيرات المادية، فإن يوتوبيات القرن التاسع عشر قد التمست السعادة من إشباع الحاجات المادية المتزايدة بصفة مستمرة. ولم يقتصر الأمر في الواقع على إتاحة التقدم الصناعي للمزيد من الترف والرفاهية، بل إن الموقف من اللذات المادية قد تغير برمته تغيرا تاما. كان الناس في يوتوبيا مور يعيشون حياة خشنة قاسية، ولم يكن السبب في ذلك هو الفقر والعوز، إذ كان الذهب والفضة متوافرين لديهم وبإمكانهم شراء السلع من البلاد الأجنبية وتحسين مستوى معيشتهم، بل كان يرجع إلى اعتقادهم بأن الترف سيؤدي حتما إلى الفساد والانحلال. وتصور الكتاب اليوتوبيون، باستثناء عدد منهم مثل فرانسيس بيكون، أن التقدم معناه تحسين أحوال الناس من النواحي العقلية والجسدية والأخلاقية، وأن ذلك لن يتحقق بالاهتمام الزائد بالسلع المادية، ولا بالانغماس الشديد في المتع واللذات التي يمكن أن تفسد العقل. ولن نجد مثل هذه الاهتمامات الأخلاقية عند كتاب اليوتوبيا في القرن التاسع عشر، فهم ماديون بشكل مخجل، ولا يتورعون عن حساب نصيب الفرد من السعادة بمقدار ما يملك من قطع الأثاث والملابس وألوان الطعام الذي يتناوله في كل وجبة. ويندر أن نجد أحدا يناهض هذا الاتجاه، باستثناء وليم موريس في يوتوبياه «أخبار من لا مكان».
لقد أثر «آباء الاشتراكية» بطبيعة الحال في يوتوبيات القرن التاسع عشر تأثيرا كبيرا. ولا يرجع تأثير فوريه وسان سيمون وأوين في اليوتوبيات إلى كتاباتهم النظرية وحدها، وإنما يرجع إلى خططهم ومشروعاتهم العينية المحددة للإصلاح الاجتماعي، وإلى «القرى التعاونية» أو الاتحادات التي ألهمت العديد من ملامح اليوتوبيات المتأخرة. والواقع أن أوين (1771-1858م) وفورييه (1772-1830م) يشذان من بعض الجوانب عن الاتجاه الرئيسي للفكر الاشتراكي في القرن التاسع عشر، فلم يدعوا إلى الحكومة المركزية والتوسع في تصنيع الريف، بل آمنا بضرورة إنشاء تعاونيات زراعية صغيرة ومستقلة. وأوين هو أول من بادر باقتراح إنشاء هذه التعاونيات الزراعية الصغيرة التي لا يزيد عدد سكانها على ثلاثة آلاف نسمة، على إحدى الحكومات المستنيرة، واشتراط أن تعتمد على الاكتفاء الذاتي وأن تدار إدارة مستقلة. ويقوم بإدارة الشئون الداخلية فيها مجلس عام يتألف من كل أعضاء الجماعة التعاونية الذين تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والأربعين عاما، بينما يدير الشئون الخارجية مجلس عام آخر، يتألف أعضاؤه ممن تتراوح أعمارهم بين أربعين وستين عاما.
وجميع أعضاء «الكوميون» متساوون، ويأخذون نصيبا متساويا من السلع المنتجة، كما أن المجالس العامة تحكم وفقا لقوانين الطبيعة الإنسانية. وعندما تتم تغطية العالم كله بالاتحادات الفيدرالية للتجمعات الزراعية، تصبح الحكومات غير ضرورية وتختفي تماما. وربما كانت أفكار «أوين» عن التعليم هي صاحبة التأثير الأكبر في الكتاب اليوتوبيين، فقد أكد في كل كتاباته أن «طبع الإنسان - بغير استثناء واحد - محدد من قبل، وأن أسلافهم هم المسئولون أساسا عن ذلك، وهم الذين يعطونه، أو يمكن أن يعطوه، أفكاره وعاداته، وهم القوى التي تحكم سلوكه وتوجهه.» ولذلك فإن مهمة التعليم هي تمرين الناس على أن يعيشوا «بغير تعطل، ولا فقر، ولا جريمة ولا عقاب». وتعددت محاولات «أوين» لوضع أفكاره موضع التطبيق العملي، وذلك بدءا بنيولانارك
New Lanrak
وانتهاء بالكوميونات التي أسسها في أمريكا، وكانت هذه المحاولات مصدر إلهام لعدد آخر من التجارب المشابهة، ولا يندر في القرن التاسع عشر أن نجد أن اليوتوبيات كانت وراء ظهور العديد من الحركات التعاونية.
وكثيرا ما ارتبط اسم «فورييه» باسم «أوين» بسبب بعض وجوه الشبه السطحية بين المفكرين، وبالرغم من إشارات فورييه الدائمة إلى أوين بعبارات تنم عن استخفافه به وتقليله من شأنه . وقد لقب فورييه، وذلك بغير حق بالقياس إلى أوين، «باب الاشتراكية»، مع أنه لم يؤمن بفكرة جماعية السلع، بل نفر منها في الواقع نفورا شديدا، ورأى أن عدم المساواة لا غنى عنه لاستمرار الحياة في مجتمعه المثالي. وعلى الرغم من أنه كان في صف إلغاء الأجور، إلا أنه دعا إلى ضرورة توزيع الأرباح وفقا لحجم رأس المال المستثمر، وحصيلة العمل، وقدرات المساهمين ومواهبهم الفردية. ومع ذلك فقد آمن بأن على المجتمع أن يتكفل بالذين يرفضون العمل، لا لتحرير العمل من طبيعته الإجبارية أو القهرية فقط، بل لأن المجتمع عليه واجبات تجاه أفراده سواء أنتجوا أم لم ينتجوا.
ثم إن العمل نفسه لا بد أن يكون محببا جذابا، وأن يبعث على البهجة والاستمتاع بحيث يقل عدد الكسالى والمتعطلين إلى الحد الأدنى.
لم يضع فورييه ثقته في أي حكومة مستنيرة، بل كان أمله أن يجد راعيا ثريا يمكنه أن قدم التمويل اللازم لإنشاء التعاونيات، وأن يذهل الناس إعجابا بنتائجها الرائعة بحيث تعم الأرض كلها في أسرع وقت. وقد زعم أن ميزة النظام الذي يدعو إليه هو أنه يجمع مصالح الرأسماليين والعمال والمستهلكين بتوحيد جميع هذه الوظائف في الفرد الواحد. وهذه الأفكار هي التي أخذ بها العديد من الاتحاديين (أنصار تكوين الاتحادات) في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، بل ما زال يتمسك بها قطاع لا بأس به من الحركة الاشتراكية في أيامنا. وقد لاحظ شارل جيد في كتابه «تاريخ المذاهب الاقتصادية». «أن البرنامج الذي لا يهدف فقط إلى إلغاء الملكية، بل إلى العمل على اختفاء الأجير بإعطائه الحق في الملكية على أساس مبدأ المساهمة في رأس المال المشترك، والذي يتطلع للنجاح، لا عن طريق الدعوة لإثارة الحرب والصراع بين الطبقات، بل بتشجيع التعاون بين رأس المال والعمال والكفاءات الإدارية، والذي يحاول التوفيق بين المصالح المتصارعة للرأسمالي والعامل، والمنتج والمستهلك، والمدين والدائن، وذلك بإدماج هذه المصالح جميعا في شخص واحد - مثل هذا البرنامج لا يمكن أن يكون شيئا عاديا أو متواضعا. لقد ظل هو المثل الأعلى للطبقات العاملة الفرنسية حتى حلت محله التجمعات الماركسية الشمولية، ويحتمل في النهاية ألا يكون التخلي عن ذلك المثل الأعلى إلا مسألة وقتية ...»
إن غرابة شخصية شارل فورييه قد حالت بينه وبين التأثير الواسع النطاق، ولكن كتاباته تحتوي على ثروة كبيرة من الأفكار التي تجعلها منبعا لا ينفد معينه لإلهام المصلحين الاجتماعيين، بل إن أشد خصومه عداوة له لم ينجوا من تأثيره. صحيح أن تصوراته المستقبلية عن المدن المزدهرة بالحدائق التي ستحل محل الكتل الضخمة للمدن الكبيرة، ودعوته للتوسع في زراعة البساتين التي تستغل كأسواق بدلا من التوسع في زراعة المساحات الشاسعة من الأراضي، واهتمامه بدراسة الوسائل التي تجعل العمل جذابا، وتوصياته عن التعليم والتربية الجنسية، صحيح أن هذه كلها لم تلفت إليها سوى انتباه أقلية ضئيلة، ولكنها وصلت على كل حال عن هذا الطريق إلى الكثيرين ممن لم يقرءوا كتاباته.
ومع أن فورييه نفسه لم يستطع أبدا أن يحقق حلمه بإقامة الفالينسترات
Неизвестная страница