وصدر صاحب الأذن الثانية أضيق، وهو إلى إفشائه اسرع، وبه أسخى وفي الحديث به أعذر، والحجّة عنه أدحض.
ثم هكذا منزلة الثالث من الثاني، والرابع من الثالث أبدا الى حيث انتهى.
هذا أيضا إذا استعهد المحدّث واستكتم، وكان عاقلا حليما، وناصحا وادا، فكيف إذا أخبر ولم يؤمر بالكتمان، وكان ممن يمشى بالنّمائم ويحبّ إفشاء المعايب، وكان ممن ينطوى على غشّ أو شحناء، أو كان له في إظهاره اجتلاب نفع أو دفع ضرر.
فاللّوم إذ ذاك على صاحب السرّ أوجب، وعمّن أفضى به إليه أنزل، لأنه كان مالكا لسرّه فأطلق عقاله، وفتح أقفاله، وسرّحه فأفلت من قيده ووثاقه، وصار هو العبد القنّ المملوك لمن ائتمنه على سرّه، وملّكه رقّ رقبته، فإن شاء أحسن ملكته لحفظ ذلك السّرّ فجزّ ناصيته، وجعله رهينة ليوم عتبه عليه. وقلّ من يحسن الملكة، ويحرس الحرّيّة أو يضبط نفسه، فإنه ربّما لم يخرجه غشّا فأخرجه سخفا وضعفا. وإن أساء الملكة وختر الأمانة فأطلق السرّ واسترعاه من هو أشدّ له إضاعة، فسفك الدم وأزال النعم وكشف المودة وفرّق بين الجميع، وإن كان المضيع لسرّه ألوم. قال الشاعر:
إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه ... فصدر الذي يستودع السرّ أضيق
فمن أسوأ حالا، وأخسر مكانا، وأبعد من الحزم، ممن كان حرّا مالكا لنفسه فصيّر نفسه عبدا مملوكا لغيره، مختارا للرّقّ، من غير أسر ولا قسر! والعبيد لم يصبروا على الرقّ إلا بذلّ الأسر والسّباء.
ومن كان سرّه مصونا في قلبه يطلب إليه في الحديث به فأخرجه عن يده، صار هو الطالب الراغب إلى من لا يوجب له طاعة، ولا يفكّر له في
1 / 93