بسم الله الرحمن الرحيم
1
وفي أنفسكم أفلا تبصرون ؟!
آية كريمة، تذهب فيها النفس مذاهب شتى، ولكني أريدها لمعنى خاص: هو الحكم على الأقوال والأفعال.
وبيان ذلك أننا نرى غيرنا يقول، أو يعمل، فنحكم عليه بالبر أو الفجور، فتارة نخطئ، وتارة نصيب. وأكثر ما نكون شططا إذا حكمنا على القول، أو الفعل، من غير أن نحيط خبرا بظروف القائل، أو الفاعل. وهي وحدها محور الخير، والشر، والخطأ، والصواب. فليست كل كلمة يكفر قائلها كما يقول الفقهاء بمكفرة، ما لم تشهد القرائن على أن قائلها معاند جحود، وليست القصائد الخمرية شهادة على قائلها بالإثم ولا قصائد التشبيب رميا لصاحبها بالفسوق، ولكن في الظروف وحدها الحكم بأن الشاعر فاسق أو سكير!
ومتى عودنا أنفسنا البحث في الحالة النفسية للقائل قبل البحث عن مدلول ما قال، واجتهدنا في معرفة ظروف الفاعل قبل تأمل ما فعل من منكر أو خبيث فقد ترفع التهمة عن كثير ممن حكم عليهم بالكفر والمجانة، لكلمة ظاهرها الكفر، أو فعل ظاهره المجون.
وليس في ذلك خروج على أصول الدين، فقد قال عليه السلام: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» وليس لمتعنت أن يرد علينا بأن هذا خاص بأعمال الخير، لا الشر. فإنه كما يجوز أن يفسد الخير حين يراد به شر، كذلك يصلح الشر حين يراد به خير، وتبقى التبعة على من يقصرون في إرشاد الناس إلى نتائج أعمالهم ، وما لها من الضر، والنفع، لتتماثل النيات والأعمال.
وإذا أباح لك حسن النية أن تحكم على رجل بالصلاح لغلبة الخير على أقواله وأفعاله، من غير أن تلم إلمامة بالأسباب القريبة والبعيدة، لما يعمل وما يقول، وقد تكون نيته سيئة فيحبط عمله، فإن من الواجب أن تنظر بدقة إلى ظروف من ساء قوله وعمله، فقد تكون نيته حسنة فيرضى عنه علام الغيوب.
إن علماء الغرب لا يحكمون على خلق المؤلف إلا بعد أن يتبينوا العصر الذي عاش فيه، والبيئة التي أحدقت به، فنال منها ونالت منه، لاحتمال أن تسود كتابته فكرة كانت في عصره حسنة، وهي في عصرنا سيئة، فنحكم عليه بما هو منه براء.
2
Неизвестная страница