Трактат о познании разумной души и ее состояниях
رسالة في معرفة النفس الناطقة وأحوالها
Жанры
في بقاء النفس بعد بوار البدن
اعلم أن الجوهر الذي هو الإنسان في الحقيقة لا يفنى بعد الموت ولا يبلى بعد المفارقة عن البدن، بل هو باق لبقاء خالقه تعالى؛ وذلك لأن جوهره أقوى من جوهر البدن لأنه محرك هذا البدن ومدبره ومتصرف فيه، والبدن منفصل عنه تابع له؛ فإذن لم يضر مفارقته عن الأبدان وجوده، إذ البدن موجود باق بعد الموت، فإذن لا يضر وجود النفس، وبقاؤه كان أولى ولأن النفس من مقولة الجوهر، ومقارنته مع البدن من مقولة المضاف، والإضافة أضعف الأعراض لأنه لا يتم وجودها بموضوعها، بل يحتاج إلى شيء آخر وهو المضاف إليه؛ فكيف يبطل الجوهر القائم بنفسه ببطلان أضعف الأعراض المحتاج إليه؟ ومثاله أن من يكون مالكا لشيء متصرفا فيه، فإذا بطل ذلك الشيء لم يبطل المالك ببطلانه؛ ولهذا فإن الإنسان إذا نام بطلت عنه الحواس والإدراكات وصار ملقى كالميت، فالبدن النائم في حالة شبيهة بحال الموتى كما قال رسول الله عليه السلام: «النوم أخو الموت.» ثم إن الإنسان في نومه يرى الأشياء ويسمعها، بل يدرك الغيب في المنامات الصادقة بحيث لا يتيسر له في اليقظة، فذلك برهان قاطع على أن جوهر النفس غير محتاج إلى هذا البدن، بل هو يضعف بمقارنة البدن ويتقوى بتعطله، فإذا مات البدن وخرب تخلص جوهر النفس عن جنس البدن، فإذا كان كاملا بالعلم والحكمة والعمل الصالح انجذب إلى الأنوار الإلهية وأنوار الملائكة والملأ الأعلى انجذاب إبرة إلى جبل عظيم من المغناطيس، وفاضت عليه السكينة وحقت له الطمأنينة، فنودي من الملأ الأعلى:
يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي .
الفصل الثالث
في مراتب النفوس في السعادة والشقاوة بعد المفارقة عن الأبدان
اعلم أن النفس الإنسانية لا تخلو عن ثلاثة أقسام؛ لأنها إما أن تكون كاملة في العلم والعمل، وإما أن تكون ناقصة فيهما. وإما أن تكون كاملة في أحدهما ناقصة في الآخر. وهذا القسم الثالث على قسمين؛ لأنها إما أن تكون كاملة في العلم ناقصة في العمل أو بالعكس، فتكون أصناف النفوس بحسب القسمة الأولى ثلاثة كما ورد في القرآن:
وكنتم أزواجا ثلاثة * فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة * وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ، ثم قال:
والسابقون السابقون * أولئك المقربون . فنقول أما الكاملون في العلم والعمل، فهم السابقون ولهم الدرجة القصوى في جنات النعيم فيلتحقون من العوالم الثلاثة بعالم العقول، ويتنزهون أن يقارنوا درن الأجسام ونفوس الأفلاك مع جلالة قدرها، فهؤلاء هم السابقون الذين هم في المرتبة العليا. وأصحاب اليمين وهم في المرتبة الوسطى يرتفعون عن عالم الاستحالة، ويتصلون بنفوس الأفلاك ويتطهرون عن دنس عالم العناصر، ويشاهدون النعيم الذي خلقه الله تعالى في السماوات من الحور العين، وألوان الأطعمة اللذيذة وألحان الطيور التي تقصر أوصاف الواصفين عن ذكرها وشرحها كما قال عليه السلام حكاية عن ربه: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.» فهذه مرتبة المتوسطين من الناس. ولا يبعد أن يتمادى أمرهم إلى أن يستعدوا للفوز بوصول الدرجة العليا، فينغمسوا في اللذات الحقيقية واصلين إلى السابقين بعد انقضاء دهور تأتي عليهم، فهذه مرتبة أصحاب الشمال وهم النازلون في المرتبة السفلى، المنغمسون في بحور الظلمات الطبيعية، المنتكسون في قعر الأجرام العنصرية، المنتحسون في دار البوار، وهم الذين
دعوا هنالك ثبورا * لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا .
فهذا شرح أحوال الأرواح البشرية بعد المفارقة عن الأجسام والمهاجرة إلى دار الآخرة، وقد اتفق على صحتها الوحي الإلهي والآراء الحكمية كما شرحناه.
Неизвестная страница