قلنا: وهل رأيتم أحدا اكتسب علما قط، أو نظر في شيء إلا وأول نظره إنما هو على أصل الاضطرار؛ لأن المفكر لا يبلغ من جهله أن يستشهد الخفي، بل من شأن الناس أن يستدلوا بالظاهر على الباطن إذا أرادوا النظر والقياس؛ ثم هم بعد ذلك يخطئون أو يصيبون.
وقلنا: فينبغي أن يكون كل مبطل في الأرض قد علم حين يقال له: ما يؤمنك أن تكون مبطلا؟ أنه لم يستشهد الضرورات، وأنكر أصله الذي قاس عليه واستنبط منه ضرورة، وأنه إنما قال بالعسف أو بالتقليد. وإذا كانوا كذلك فهل يخلو أمرهم من أن يكونوا قد علموا أنهم على خطاء أو يكونوا شكاكا، أو يكونوا عند أنفسهم مستشهدين للضرورات، وإن كانوا قد تركوا ذلك عند بعض المقدمات. فإن كانوا قد علموا أنهم لم يستشهدوا الضروريات، وإن كانوا شكاكا فيها؛ فليس على ظهر الأرض مخطىء إلا وهو عالم بموضع خطائه، أو شاك فيه. أو كانوا عند أنفسهم مستشهدين للضرورات، فما يؤمنكم أن تكونوا كذلك؟
فإن قالوا: ليس أحد يعرف أن علامة الحق استشهاد الضرورات غيرنا.
Страница 55