Разумное и неразумное в нашем интеллектуальном наследии
المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري
Жанры
قال: من خيط رقبتك، لقد تركت ستين ألف شيخ تبكي تحت قميص عثمان، وهو منصوب لهم، قد ألبسوه منبر دمشق.
قال علي: أمني يطلبون دم عثمان؟ ألست موتورا كترة عثمان؟ اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان! نجا والله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله؛ فإنه إذا أراد أمرا أصابه، اخرج!
قال: وأنا آمن؟
قال علي: وأنت آمن (راجع الكامل لابن الأثير، ج3).
ورأى علي أن لا مفر من القتال مع معاوية، فما إن فرغ من حربه مع عائشة وطلحة والزبير في وقعة الجمل عند البصرة، وقد كان هؤلاء خرجوا على بيعته، حتى انصرف إلى الكوفة لينظر في أمر معاوية، يرسل إليه الرسل أولا؛ ليرى ماذا يكون من أمره قبل أن يغامر في قتاله، فلما قدم رسول علي على معاوية، ماطله هذا واستنظره، ثم قرر أن يتأهب للقتال، ملزما عليا دم عثمان؛ بدعوى أن عليا قد آوى القاتلين.
كان الرجل الذي يشير على معاوية ماذا يفعل وماذا يقول وكيف يكيد، هو عمرو بن العاص، هذا السياسي الداهية، الذي كان فيما يفعل ساعيا لدنياه دون آخرته، ولقد قالها صراحة مرتين؛ قالها مرة لولديه إذ هم في طريقهم إلى دمشق بعد بيعة علي، وقالها مرة أخرى لمعاوية حين لقيه في دمشق فأعرض عنه معاوية، فواجهه عمرو بالعتاب: «والله لعجب لك! إنني أرفدك بما أرفدك وأنت معرض عني، أما والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة، إن في النفس من ذلك ما فيها، حيث تقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكنا إنما أرادنا هذه الدنيا»، وإني لحريص على أن يلتفت القارئ إلى عمرو في هذا الموقف بكل ما اكتنفه من مكيدة وتدبير، وأن يذكر منذ الآن أن عمرا هذا، في موقفه هذا، هو جزء من تراثنا، كما أن عليا جزء آخر، ومعاوية جزء ثالث، فلئن كان أحد الثلاثة تسيره خشية الله بما تستلزمه هذه الخشية من مثل عليا في النوايا والسلوك، فاثنان تسيرهما الرغبة في الدنيا وما فيها من جاه وسلطان.
ولن نضيع وقت القارئ في ذكر تفصيلات وقعة صفين بين الفريقين؛ فذكرها تمتلئ به كتب التاريخ، وما إلى كتابة التاريخ قصدنا، ولسنا من رجاله، وإنما نذكر ما نذكره هنا لنضع العناصر الأساسية لصورة كانت هي الإطار الذي تجسد فيه الطابع الذي يميز الفكر العربي في أولى مراحله، وأعني الركون إلى حكم الفطرة بغير تدليل ولا تحليل ولا برهان، وهي صورة - كما أسلفنا القول - امتزج فيها الأدب بالحكمة، ثم امتزج هذان معا بفروسية وسياسة.
بحث علي لعسكره عن موضع ينزل فيه بحيث يتمكنون من ماء الفرات، لكن معاوية كان قد سبق فنزل منزلا اختاره بسيطا واسعا أفيح، وأخذ شريعة الفرات، وليس في ذلك الصقع شريعة غيرها، وجعلها في حيزه، فطلب أصحاب علي شريعة غيرها فلم يجدوا، فأتوا عليا فأخبروه بعطش جنوده، ولا ماء إلا ما كان في حوزة معاوية ورجاله، وأشار المشيرون على معاوية ألا يخلي بين عسكر علي وبين الماء حتى يموتوا عطشا: «امنعهم الماء كما منعوه ابن عفان، اقتلهم عطشا قتلهم الله!»
لم يكن عندئذ بد أمام رجال علي من القتال في سبيل الماء أولا، وألقى علي في ذلك خطبة يقوي بها عزيمة رجاله، جاء فيها: «رووا السيوف من الدماء، ترووا من الماء؛ فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين، ألا وإن معاوية قاد لمة من الغواة، وعمس عليهم الخبر، حتى جعلوا نحورهم أغراض المنية.»
بدأ القتال بين الفريقين؛ أهل العراق تحت راية علي في ناحية، وأهل الشام بإمرة معاوية في ناحية أخرى، وإنهم ليقتتلون آنا، ثم يتبادلون الرسل آنا، في مبارزات ومحاورات شهدت ضروبا أسطورية من الفروسية، ونماذج رائعة من الأدب، ولا بأس هنا من الوقوف بالقارئ لحظة لنعرض عليه أمثلة من حوارهم البليغ، الذي كانت عبارته تنطوي على سياسة بارعة ودهاء (راجع ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، ج1).
Неизвестная страница