فقال السلاوي: لا علم لي بذلك، وإذا كان ولي الدين يكتب فصولا كما ذكرت أفلا يخاف على نفسه العقاب حتى يطلع الناس عليها؟ وهل علمتم عليه شيئا من هذا القبيل؟
قال قدري بك: كلا، وإنما نسألك لنتعرف ذلك منك، فأما وقد ذكرت أنك لا تعرف شيئا من أسراره فلا حاجة إلى زيادة الأسئلة، ونحن نوصيك ألا تخبر ولي الدين بشيء مما جرى لك معنا. فأجابهم السلاوي إلى طلبتهم وانصرف.
قلت لمصطفى ظافر: ومن ضيا هذا الذي تذكره؟ وأين هو الآن؟
قال: هو رجل أظنه من إزمير؛ وهو الآن في «يلديز» لا يريدون أن يطلقوا سراحه حتى يتم التحقيق ويظهر صدقه من كذبه. وقد بادرت إليك مخبرا بما وقع فكن على حذر.
قلت: وما ينفع حذري الآن؟ وهل تحسب القوم يغفلون عنا بعد أن بلغهم عنا ما بلغهم؟ وما لي من حيلة سوى انتظار ما ستجري به الأقدار.
ثم مضى على هذه الواقعة نحو الأسبوع، فاتصل بي بعد ذلك أن الذين تولوا تحقيق القضية قالوا للجاسوس: من أين عرفت أن ولي الدين اتفق مع من سميتهم على أن يكتب إلى الجرائد في ذم السلطان؟ ومن أين لك أن هذه الجرائد ستأتيه أو هي أتته وأنها محفوظة بإدارة البريد الفرنساوي؟
قال: كنت ذهبت إلى الباب العالي، فرأيت الشيخ أسعد شقير ومحمود نديم وولي الدين خارجين من شورى الدولة، وكانوا عند مصطفى ظافر، فجعلت أمشي خلفهم وأستمع ما يقولون، فوعيت كلامهم كله ولم أضع منه حرفا واحدا.
قالوا له: صف لنا ولي الدين.
قال: هو رجل عظيم الجثة، له لحية شقراء وعينان زرقاوان. فلم يمهلوه إلى أن يتم كلامه ، وهنالك هدده أحد رجال القصر بالويل والثبور إذا لم يعترف بالحقيقة. وتركوه وحده في حجرة ليتمعن فيما هو صائر إليه، فهاله الأمر وأحس بالشر وأيقن أن لا خلاص له مما وقع فيه، فطلب أن يعيدوه إلى المحققين. فلما مثل بين يديهم قال: إن أبا الهدى عرض علي كتابة تقرير أتهم به من عرفتم أسماءهم، وأعطاني ثلاث ورقات من أوراق البنك العثماني قيمة كل واحدة منها خمسة جنيهات، وكل الذي سمعتم مني لقننيه أبو الهدى. وأنا رجل فقير ولي حاجة شديدة إلى أقل من هذا المال، فغلبتني الحاجة فأنجزت ما أراد. فلما سمع المحققون كلام الرجل ورأوا أوراق البنك بأعينهم أبلغوا السلطان ما وقع، فأمر بكتمان الأمر. كل هذا جرى ولم أعلم به إلا بعد أن جرى.
ولما علم فؤاد باشا بالواقعة قصد إلى «يلديز»، وبينما هو يريد الصعود إلى عند الباشكاتب التقى بأبي الهدى في طريقه. فتقدم نحوه وبادره بالشتم، وكاد يرمي به تحت أقدامه لولا تضرعه وبكاؤه، فأمسك عنه فؤاد باشا وقال له: أنا بمعزل عن هذا القصر وعن مطامعه، وليس لي وإياك شأن. فإذا أنت لم ترعو وحدثتك نفسك بالعودة إلى مثل فعلتك هذه رميتك على الأرض ووطئت رأسك بأقدامي، ففارقه أبو الهدى وهو لا يصدق بالنجاة.
Неизвестная страница