تسلى بها تغري بليلى ولا تسلي
أما فروق فهي الغانية، بزت حليها وحلاها، واستغنت بجمالها عن تجملها، عروس الطبيعة الناشز، المنعمة الممنعة، تهب الصبابة وتسلب الجلد. للملوك مصارع من حسنها، وللرعايا مصارع من ظلمها. يقيم على غرامها إلى الأبد من نظر إليها نظرة واحدة.
وأما مصر؛ فهي الفتاة، أنسها قريب وملالها أقرب؛ أكبر من أمها سنا، وأقدم منها بالحضارة عهدا؛ رائعة الخلق والخلق، عروب، لعوب، نئوم، مكسال، صادق حبها، كاذب وعدها ووعيدها.
الفاتنتان تتباينان فتتراجعان، ولا تستمران على قطيعة.
أما بنو فروق، فمغلوبون على أمرهم؛ قضي عليهم ألا يتحاصوا من الحياة الدنيا إلا الهموم، يعيشون فيها، لا يرون بها شمسا ولا زمهريرا (ولا يسمعون لغوا ولا تأثيما)، عاليهم ثياب من نار، كلما شوت منهم جلودا بدلوا بها جلودا. تتعاقب الآناء وهم سكارى حيارى، كأن عهدهم بالحشر قريب، ينظرون من خلل اليأس إلى بارق الأمل.
وكأنه برق تألق بالحمى
ثم انضوى وكأنه لم يلمع
يكاد البرق يخطف أبصارهم، كلما أضاء لهم مشوا فيه، وإذا أظلم عليهم قاموا. أوصدت دونهم أبواب القبول وحيل بينهم وما يشتهون. فأيد بسطت ضارعة بالذلة، ووجوه عنت منقبة بالمسكنة، وأبصار زاغت وفي لواحظها نعاس الخمول، وقلوب شقت وفي أشطارها معاني الشكوى. وما يغني التطلب! أقعدت العزمات وصغرت الهمم، وفاضت النفوس وراحت الآمال، وبوعد بين الشباب وبين الوصال.
أما لو أن زهور الرياض مقل، وقطرات الطل دموع، وأنفاس النسائم زفرات، وأغاريد الطيور نحيب، والأقاحي ثغور تناجي، والبراكين أفئدة تتقد، والقيامات أنات الضمائر، وخطوب الدهر أحزان بنيه؛ لقل ذلك عند وقوف المتأمل على أجداث إخواننا الشهداء. ألا بنفسي تلك اللحود، صمت نازلوها ونطقت صناديقها، ألا ما لمثل هذه الأفئدة البشرية هذه الشجون. بلى هي قوى كهربائية لها من كل ويل تيار.
أما بنو مصر، فمغلوبون على أمرهم؛ ذاقوا مرارة الذل أولا، ثم بدلوا منها أريا شهيا، وأوتوا رخاء وعيشا معللا جانبه. أسفرت لهم الحرية، عدوة الملوك وحبيبة الشعوب. راموها زرقاء فأتت حمراء، وما تلك بحمرة خجل ولا حمرة دم؛ إن هو إلا الحياء يورد الخدود ويقصر الخطى؛ فهم مغبوطون وهم حاسدون، ذلوا لها حين استعصت، ودلوا عليها حين سلست، وأنساهم عذب الوصال مر الهجران.
Неизвестная страница