ومن غريب ما وقع لي مع هذا الرجل أني قصدت غرفته في أشد أيامي إملاقا، وكانت تأخرت لي عنده رواتب ثلاثة أشهر، فرأيت إلى جانبه جماعة من كبار الموظفين يدخنون سجايرهم سكوتا، يراقب بعضهم بعضا، فلما بصروا بي تناولتني أعينهم، فسلمت وجلست ناحية أنتظر تفرغا منه، فكلمه أحد الحاضرين في راتبه، فتبسم في وجهه الدفتردار والتفت إلي وهو يقول: البك في أشد ما يعتاد المرء من الضيق. ولقد يأتيني فيرى ما أنا فيه من الكرب فلا تطيب نفسه إلى مخاطبتي في أمر راتبه، وها هو ذا أمامك، أرأيته نطق بحرف؟ لوددت أن يكون معي كذلك كل أصدقائي.
فلما سمعت كلام الرجل أشرت إشارة الموافق على مضض، ثم أقمت دقائق قليلة ودعته بعدها وخرجت من عنده وأنا أتعجب من لطف حيلته في إعجازي عن المطالبة. وإنما ذكرت هذه الأشياء بيانا لما كان يأكله عبد الحميد وأعوانه من مال الأمة والأمة في أشد الحاجة إليه. وأرى أن إصلاح المالية العثمانية لا يتهيأ لنا إلا بعد زمان مديد وذلك على يد أهل العلم بالاقتصاد من الأوروبيين. هذه النقائص التي استمرت طوال الأعوام لا تغالب إلا بكد ينفد فيه الصبر وتنحل فيه العزائم. ولو التفتت الحكومة الزائلة إلى حال البلاد وتبينت وجوه الفائدة لوجدت منها كنوزا تغني أمم الأرض، ولكنها عاشت تجني ولم تغرس أبدا.
تلخيص الخلاصة في تاريخ سيواس
نويت أن أتجاوز الكلام في هذا الباب إلى غيره، وأشرت إلى ذلك في أحد الفصول المتقدمة، ولكنني كرهت أن أخرج من كتابي تاركا فيه نقصا لا يعذرني عليه من يقتنيه. وها أنا أجرب سجيتي في إجادة ما أعنى به. إن لدي مظان جمة أرجع إليها في استقراء الأخبار. وبدء تاريخ سيواس لا يختلف عن غيره. إن عليه مسحة من الشك لا يزيلها يقين. وإني لأحاول أن أجعل منقولي أقرب إلى اليقين منه إلى الشك.
إن ولاية سيواس جانب من شمالي مملكة «قبادوكيا
Cappadocia
أو
Cappadoce » اسمها القديم «قابيرة
Cabira » ولعله «كبيرة» ثم سميت «سباست
Sébaste » في أيام الرومانيين، ومنه اسمها الحالي سيواس. ذكر «أسترابون» المؤرخ المولود في مدينة «آماسيا» أن سيواس كانت في أيامه عاصمة «قبادوكيا»، وروى غيره أن «مهرداد الثاني
Неизвестная страница