Макиавелли: Очень краткое введение
مكيافيللي: مقدمة قصيرة جدا
Жанры
في الفترة الواقعة بين بعثته إلى بلاط البابوية عام 1506 وعودته إلى فرنسا عام 1510، ذهب مكيافيللي في مهمة أخرى خارج إيطاليا، تمكن خلالها من تقييم حاكم بارز آخر عن قرب، هو ماكسيميليان، الإمبراطور الروماني المقدس. كان قرار الحكومة الفلورنسية بإرسال هذه البعثة قد نبع من قلقها بشأن خطة الإمبراطور الرامية للزحف إلى إيطاليا وتتويج نفسه حاكما لروما. فحينما أعلن نيته هذه، طلب دعما كبيرا من الفلورنسيين بهدف مساعدته في التغلب على ما يعانيه من قلة دائمة في الموارد. شعرت «السلطة الحاكمة» بالرغبة في إسداء هذا المعروف له إذا كان قادما حقا، وفي عدم فعل ذلك إذا لم يكن قادما بالفعل. فهل كان سيأتي بحق؟ في يونيو من عام 1507 جرى إيفاد فرانشيسكو فيتوري لمعرفة الجواب، لكنه أتى بتصريحات محيرة بدرجة جعلت الحكومة ترسل وراءه مكيافيللي بتعليمات إضافية بعد ستة أشهر. ظل كلا الرجلين في البلاط الإمبراطوري حتى يونيو من العام التالي، حينما جرى إلغاء هذه البعثة المقترحة.
كانت ملاحظات مكيافيللي بشأن كبير أسرة هابسبورج الحاكمة تخلو من الفوراق أو المؤهلات المميزة التي تضمنها وصفه لشيزاري بورجا ويوليوس الثاني. إجمالا، ترك الإمبراطور لدى مكيافيللي انطباعا بأنه حاكم أخرق تماما، يكاد لا يتمتع بأي من المؤهلات المناسبة لإدارة حكومة ناجحة، ورأى مكيافيللي أن نقيصته الأساسية تتمثل في نزوعه إلى أن يكون «متراخيا وساذجا إلى أقصى حد»، الأمر الذي جعله «قابلا دائما لأن يتأثر بكل رأي مختلف» يطرح عليه (ت د 1098-1099)، وهذا يجعل إجراء المفاوضات أمرا مستحيلا؛ لأنه حتى عندما يبدأ في اتخاذ قرار في أمر ما - مثل الحملة إلى إيطاليا - يظل بمقدور المرء أن يقول إن «الرب وحده يعلم إلام سينتهي» (ت د 1139). علاوة على أن هذا يعمل على إضعاف قيادته على نحو يتعذر علاجه؛ لأنه يجعل الجميع في «حيرة لا تنقطع»، و«دون أن يعرف أحد مطلقا ما سيفعله» (ت د 1106).
وتصوير مكيافيللي للإمبراطور في كتاب «الأمير» يعكس إلى حد كبير هذه الأحكام السابقة؛ فالإمبراطور ماكسيميليان محل نقاش في الفصل الثالث والعشرين، الذي كان موضوعه يدور حول حاجة الأمراء للإصغاء إلى النصائح الجيدة. يتناول مكيافيللي سلوك الإمبراطور باعتباره قصة تحذيرية عن مخاطر عدم التعامل مع المستشارين بحزم كاف. يوصف ماكسيميليان بأنه «لين العريكة» جدا إلى حد أنه إذا حدث و«أصبحت خططه معروفة على الملأ» ثم «رفضت من جانب المحيطين به»، فإن هذا الرفض يثنيه عن عزمه تماما إلى حد أنه «يتراجع عن هذه الخطط» على الفور، وهذا لا يؤدي فقط إلى إصابة المرء بالإحباط من التعامل معه، نظرا لأنه «لا أحد يدري على الإطلاق ما يرغب أو ينوي فعله»، بل إن هذا الأمر يجعله أيضا حاكما غير كفء؛ لأنه «من المستحيل الاعتماد» على أي قرارات يتخذها، ولأن «ما يفعله في يوم يدمره في اليوم التالي» (87).
دروس الدبلوماسية
بحلول الوقت الذي انتهى فيه مكيافيللي إلى تسجيل أحكامه النهائية على الحكام ورجال الدولة الذين قابلهم، كان قد توصل إلى استنتاج مفاده أنهم جميعا أساءوا فهم درس واحد بسيط لكنه أساسي، الأمر الذي أسفر عن فشلهم عموما في خططهم، أو نجاحهم بخلاف ذلك بفضل الحظ وليس الحكم السياسي الرشيد. كانت النقيصة الأساسية التي شابتهم جميعا تتمثل في افتقار مهلك إلى المرونة في مواجهة الظروف المتغيرة؛ فقد كان شيزاري بورجا في كل الأوقات مفرطا في الزهو بثقته في نفسه، وكان ماكسيميليان دائما حذرا ومفرط التردد، وكان يوليوس الثاني دائما متهورا ومفرط الحماس. إن ما لم يشاءوا جميعا أن يعترفوا به هو أنه كان بإمكانهم تحقيق نجاحات أكثر بكثير لو أنهم عملوا على تعديل شخصياتهم بما يتواءم مع مقتضيات العصر، بدلا من أن يحاولوا إعادة تشكيل عصورهم في القالب الذي يلائم شخصياتهم.
في نهاية المطاف وضع مكيافيللي هذا الحكم محورا لتحليله عن القيادة السياسية في كتاب «الأمير»، لكنه كان قد سجل هذا الرأي لأول مرة قبل ذلك بكثير، إبان عمله كدبلوماسي نشط. يضاف إلى ذلك أنه يتضح من كتابه «التمثيل الدبلوماسي» أن هذا التعميم طرأ بباله في البداية ليس نتيجة تأملاته الخاصة بقدر ما هو نتيجة استماعه إلى وجهات نظر اثنين من أبرع السياسيين الذين احتك بهم، ثم تفكر فيها لاحقا. فأول ما تبين له هذا الأمر كان في يوم انتخاب يوليوس الثاني لمنصب الكرسي البابوي؛ إذ وجد مكيافيللي نفسه منساقا في حوار مع فرانشيسكو سوديريني، كاردينال مدينة فولتيرا وشقيق بييرو سوديريني، زعيم حكومة فلورنسا. فأكد له الكاردينال أنه «لم يحدث منذ سنوات عديدة أن علقت مدينتنا كل هذا القدر من الآمال على أي بابا جديد، بقدر ما علقت آمالا على البابا الحالي.» وأضاف قائلا: «ليت المرء يتعلم كيف يتكيف مع العصر» (ت د 593). بعد ذلك بعامين، واجه مكيافيللي نفس الرأي أثناء التفاوض مع باندولفو بيتروتشي، سيد مدينة سيينا، الذي سيذكره فيما بعد بإعجاب في كتاب «الأمير» على اعتبار أنه «رجل بارع جدا» (85). كان مكيافيللي قد فوض من «السلطة الحاكمة» الفلورنسية بأن يستنطق باندولفو عن أسباب «كل الحيل والمكائد» التي انطوت عليها تعاملاته مع فلورنسا (ت د 911)، فرد باندولفو في وقاحة يبدو أنها أبهرت مكيافيللي كثيرا؛ حيث قال: «لأنني أرغب في أن أقلل أخطائي قدر الإمكان، أدير أمور حكومتي يوما بيوم، وأرتب شئوني ساعة بساعة؛ لأن الزمن أشد قوة من عقولنا» (ت د 912).
رغم أن تصريحات مكيافيللي عن حكام عصره يغلب عليها حدة النقد، سيكون من قبيل التضليل أن نستنتج أنه اعتبر أن كامل ما سجله عن إدارة شئون الدولة في زمنه لم يتجاوز كونه سردا لتاريخ جرائم وحماقات ومحن؛ فهو في عدة مناسبات من حياته الدبلوماسية كان قادرا على أن يراقب كيفية مواجهة مشكلة سياسية ما وحلها بطريقة لا تستدعي إعجابه المطلق فحسب، بل تؤثر أيضا تأثيرا واضحا على نظرياته عن القيادة السياسية. وقد وقعت إحدى هذه المناسبات عام 1503، أثناء صراع الذكاء الممتد الذي دار بين شيزاري بورجا والبابا؛ فقد خلب لب مكيافيللي وهو يرى كيف يتغلب يوليوس على المأزق الذي أحدثه حضور الدوق في البلاط البابوي. وكما ذكر «لجنة العشرة» فإن «الكراهية التي طالما حملها قداسته دائما» لبورجا «لا تخفى على أحد»، لكن هذا لا يكاد يغير حقيقة أن بورجا كان «عونا له أكثر من أي شخص آخر» في ضمان انتخابه، الأمر الذي جعل البابا يقطع «للدوق عددا هائلا من الوعود» (ت د 599). بدت المشكلة مستعصية على الحل؛ إذ كيف كان يمكن ليوليوس أن يأمل في نيل أي قدر من حرية التصرف من دون أن يحنث بوعده المقدس؟
لكن كما اكتشف مكيافيللي سريعا، كان الرد على هذا السؤال على مرحلتين بسيطتين استهدفتا كسر شوكة الدوق؛ فقد كان يوليوس قبل ترقيته حريصا على أن يؤكد أن «كونه رجلا على قدر عظيم من حسن النية» يجعله ملزما تمام الالتزام بأن «يظل على صلة» ببورجا «من أجل أن يفي بوعده له» (ت د 613، 621). لكنه بمجرد أن أحس بالأمان، أخلف على الفور كل ما قدمه له من وعود، فلم يكتف بحرمان الدوق من لقبه وقواته، بل أيضا ألقى القبض عليه وسجنه في القصر البابوي؛ وهذا جعل مكيافيللي يكاد لا يقدر على أن يكتم دهشته بهذا الانقلاب وإعجابه به في ذات الوقت، فهو يقول متعجبا: «انظروا الآن كيف يشرع هذا البابا في سداد ديونه بأمانة، إنه ببساطة يلغيها من خلال شطبها.» ويضيف لافتا النظر لدلالة الأمر أنه ما من شخص يرى أن البابوية أهينت ولحق بها العار، بل على العكس، «لا يزال الجميع يحمل نفس القدر من الحماس» لأن يدعو «بوركت يدا البابا» (ت د 683).
عند وقوع هذا الحدث شعر مكيافيللي بأن بورجا خيب ظنه إذ سمح لنفسه بأن ينخدع على هذا النحو المدمر، فعبر عن ذلك بقوله إن الدوق كان يتعين عليه ألا يفترض أن بإمكانه «أن يعول على كلام أي شخص آخر أكثر من كلامه هو» (ت د 600). ومع ذلك، كان بورجا دون شك هو أكثر حاكم أحس مكيافيللي أنه يتعلم من مراقبته له وهو يعمل، وحدث في مناسبتين أخريين أن حظي مكيافيللي بفرصة مراقبته وهو يواجه أزمة خطيرة، ويتغلب عليها في قوة وثبات أكسباه كامل احترام مكيافيللي.
أولى هاتين المناسبتين الطارئتين حدثت في ديسمبر عام 1502، عندما تفجر غضب أفراد شعب رومانيا فجأة إزاء الأساليب القمعية التي استخدمها نائب بورجا، ريميرو دي أوركو، في تهدئة الأوضاع في الإقليم في العام السابق. والحقيقة أن ريميرو لم يفعل ذلك إلا تنفيذا لأوامر الدوق، ونجح فيه نجاحا لافتا للانتباه، ورفع المنطقة برمتها من الفوضى إلى الحكم الرشيد، لكن قسوته أثارت قدرا عظيما من الكراهية عرض استمرار استقرار الإقليم للخطر. ماذا فعل بورجا؟ أظهر الحل الذي استخدمه قدرة عجيبة على التحرك السريع، وهي سمة عكسها مكيافيللي فيما رواه عن هذا الحدث. جرى استدعاء ريميرو إلى «إيمولا»، وبعد أربعة أيام «عثر عليه في الساحة العمومية، مقطوعا إلى نصفين، حيث لا تزال جثته ملقاة، على نحو أتاح للعامة برمتهم أن يروها.» أضاف مكيافيللي قائلا: «لقد كان من دواعي سرور الدوق أن يظهر أنه يستطيع صنع الرجال وتحطيمهم كيفما يشاء، وفقا لما يستحقونه» (ت د 503).
Неизвестная страница