Макиавелли: Очень краткое введение
مكيافيللي: مقدمة قصيرة جدا
Жанры
البعثات الدبلوماسية
كان منصب مكيافيللي الرسمي يتطلب منه أداء نوعين من المهمات. فقد كانت الهيئة الاستشارية الدبلوماسية الثانية، التي أنشئت عام 1437، تتعامل أساسا مع المراسلات المتعلقة بإدارة أقاليم فلورنسا. لكن بينما كان مكيافيللي يرأس هذا القسم، كان يشغل أيضا واحدا من ستة مناصب سكرتارية للمستشار الأول، وبهذه الصفة جرى تكليفه بمهمة أخرى هي خدمة «لجنة العشرة لشئون الحرب»، المسئولة عن العلاقات الخارجية والدبلوماسية للجمهورية. كان هذا يعني أنه - بالإضافة إلى عمله المكتبي العادي - كان يمكن أن يستدعى للسفر إلى الخارج نيابة عن لجنة العشرة، ويعمل سكرتيرا لسفرائها، ويساعد في إرسال تقارير مفصلة إلى أرض الوطن عن الشئون الخارجية.
سنحت له أول فرصة للمشاركة في مهمة من هذا النوع في شهر يوليو عام 1500، عندما جرى تكليفه هو وفرانشيسكو ديلا كازا بالذهاب «بأقصى سرعة ممكنة» إلى بلاط لويس الثاني عشر ملك فرنسا (ت د 70). نشأ قرار إرسال هذه الهيئة الدبلوماسية من الصعوبات التي كانت فلورنسا تعانيها في الحرب ضد مدينة بيزا، وكان مواطنو بيزا قد تمردوا عام 1496، ونجحوا على مدى السنوات الأربع التالية في صد جميع المحاولات الرامية لإخماد مطالبتهم بنيل الاستقلال. لكن في مطلع عام 1500، وافق الفرنسيون على مساعدة الفلورنسيين في استعادة المدينة، وبعثوا قوة لفرض حصار عليها. لكن هذا أيضا أفضى إلى نتيجة مفجعة؛ فقد فر مرتزقة مقاطعة جاسكوني الذين استأجرتهم فلورنسا، وتمرد المساعدون السويسريون نتيجة لعدم حصولهم على أجورهم مقابل مشاركتهم في الحرب، فلم يعد هناك بد من إلغاء الهجوم برمته على نحو مخز.
كانت مهمة مكيافيللي الدبلوماسية تتمثل في «التأكيد على أن فشل هذا المشروع في تحقيق أي نتيجة لم يكن ناجما عن أي تقصير من جانبنا»، وفي الوقت نفسه «نقل الانطباع» أنه من الممكن أن يكون القائد الفرنسي قد تصرف «بفساد وجبن» (ت د 72، 74). لكن، كما تبين له ولزميله ديلا كازا في أول لقاء لهما مع لويس الثاني عشر، لم يكن الملك لديه كثير اهتمام بما تقدمه فلورنسا من أعذار لتبرير إخفاقاتها السابقة، بل كان يود أن يعرف نوعية المساعدة التي يمكن أن يتوقعها بواقعية في المستقبل من مثل هذه الحكومة، التي كان واضحا أنها تدار على نحو سيئ، وقد حدد هذا اللقاء الطريقة التي تجري بها كافة حواراتهما اللاحقة مع لويس وكبار مستشاريه، فلوريموند روبيرتيه ورئيس أساقفة مدينة روان. كانت ثمرة ذلك أنه - على الرغم من أن مكيافيللي ظل في البلاط الفرنسي ما يقرب من ستة أشهر - لم يتعلم من هذه الزيارة الكثير بشأن سياسات الفرنسيين، بقدر ما تعلم الكثير عن الموقف الملتبس لدول المدن الإيطالية.
كان أول درس تعلمه هو أن الأجهزة الحكومية الفلورنسية، بالنسبة لأي شخص لديه علم بمسالك النظام الملكي الحديث، تبدو متذبذبة وضعيفة على نحو يثير السخرية. بحلول نهاية شهر يوليو بات واضحا أن «السلطة الحاكمة» - أي مجلس المدينة الحاكم - قد يحتاج إلى إرسال بعثة دبلوماسية أخرى كي تعيد التفاوض على شروط التحالف مع فرنسا. ظل مكيافيللي طوال شهري أغسطس وسبتمبر في انتظار سماع أخبار تفيد بأن المبعوثين الجدد قد غادروا فلورنسا، وظل يطمئن رئيس أساقفة مدينة روان بقوله إنه ينتظر وصولهم في أي لحظة. بحلول منتصف شهر أكتوبر، حينما كان الأفق لا يزال خاليا من أي أمارات على وصولهم، بدأ رئيس أساقفة روان يتعامل مع هذه المراوغات المستمرة معاملة تحمل ازدراء صريحا؛ فقد ذكر مكيافيللي، باغتمام واضح، أن رئيس الأساقفة «رد بهذه الكلمات تحديدا» عندما أكد له أن البعثة الموعودة في طريقها أخيرا إلى فرنسا: «هذا ما تقوله أنت، لكن قبل وصول هؤلاء المبعوثين سنكون قد بتنا جميعا في عداد الموتى» (ت د 168). الأمر الأكثر إذلالا ومهانة أن مكيافيللي اكتشف أن إحساس مدينته فلورنسا بأهميتها يبدو في نظر الفرنسيين منفصلا على نحو يثير السخرية عن واقع مكانتها العسكرية وحجم ثرواتها. كان عليه أن يخبر «السلطة الحاكمة» أن الفرنسيين «لا يمنحون قيمة إلا لأولئك المسلحين تسليحا جيدا أو المستعدين لأن يدفعوا.» وتوصل إلى الاعتقاد بأن «هاتين الصفتين كلتيهما غائبتان في حالتكم.» وبرغم محاولاته أن يلقي على مسامع الملك خطبة عصماء عن «الأمن الذي يمكن أن تضفيه عظمتكم على مستعمرات جلالة الملك في إيطاليا»، وجد أن «كل هذا غير مجد»؛ إذ لم يكن من الفرنسيين إلا أن ضحكوا منه. الحقيقة المؤلمة التي يعترف بها هي: «أنهم يطلقون عليك السيد لا شيء» (ت د 126).
وعى مكيافيللي أول هذه الدروس بشدة آخذا إياها بجدية؛ وكتاباته السياسية الناضجة حافلة بالتحذيرات من حماقة المماطلة، وخطورة الظهور بمظهر متردد، وضرورة اتخاذ إجراء جريء وسريع في الحرب وفي السياسة على حد سواء. لكنه رأى جليا أن من المستحيل قبول التأثير المترتب على ذلك، والمتمثل في ألا يكون هناك مستقبل لدول المدن الإيطالية؛ فظل يضع نظريات عن ترتيباتها العسكرية والسياسية، مفترضا أنها لا تزال قادرة بالفعل على التعافي والحفاظ على استقلالها، حتى بالرغم من أن فترة حياته شهدت خضوعها النهائي والتام لقوى أكثر تفوقا منها بكثير، وهي فرنسا وألمانيا وإسبانيا.
انتهت البعثة إلى فرنسا في ديسمبر عام 1500، وهرع مكيافيللي إلى أرض الوطن بأقصى سرعة ممكنة. كانت المنية قد وافت شقيقته بينما كان في الخارج، ووافت والده قبل سفره بوقت قصير، ونتيجة لذلك (كما اشتكى للسلطة الحاكمة) «لم يعد من الممكن على الإطلاق رعاية» شئون أسرته (ت د 184). كان يحمل أيضا مخاوف بشأن وظيفته، فقد اتصل به مساعده أجوستينو فيسبوتشي في نهاية شهر أكتوبر، ونقل له شائعة مفادها «إذا لم تعد أدراجك، فسوف تفقد مكانك في البعثة الدبلوماسية » (م 60). أيضا، بعد ذلك بوقت قصير، بات لدى مكيافيللي سبب آخر يدفعه لأن يرغب القرب من فلورنسا: وهو تودده إلى ماريتا كورسيني، التي تزوج منها في خريف عام 1501. تظل ماريتا شخصية غامضة في قصة مكيافيللي، لكن رسائله تشير إلى أنه لم يتوقف قط عن حبه لها طيلة حياته، بينما أنجبت هي له ستة أطفال، ويبدو أنها احتملت خياناته في صبر، وعمرت بعده في نهاية المطاف ربع قرن.
خلال العامين التاليين، اللذين قضى مكيافيللي أغلبهما داخل فلورنسا وبالقرب منها، باتت «السلطة الحاكمة» قلقة من صعود قوة عسكرية جديدة وتهديدية على حدودها؛ هي قوة شيزاري بورجا. كان بورجا قد نصب دوقا لرومانيا من قبل والده البابا ألكسندر السادس في أبريل من عام 1501، ولم يلبث أن أطلق سلسلة من الحملات الجريئة بهدف أن يقتطع لنفسه إقليما يليق بلقبه الجديد والرنان؛ فاستولى أولا على مدينة فاينسا، وضرب حصارا على مدينة بيومبينو، التي دخلها في شهر سبتمبر عام 1501. بعد ذلك أشعل مساعدوه نار التمرد في مدينة فال دي تشيانا ضد فلورنسا في ربيع عام 1502، في حين زحف بورجا نفسه شمالا واستولى على دوقية أوربينو في «انقلاب» خاطف كالبرق. ولما بات بورجا مزهوا بهذه النجاحات، طلب بعد ذلك أن يتحالف رسميا مع الفلورنسيين، وطلب أن يرسل إليه مبعوث خاص ليسمع شروطه، وكان الرجل الذي وقع عليه الاختيار لهذه المهمة الحساسة هو مكيافيللي، الذي كان قد التقى بورجا في أوربينو. أسندت المهمة لمكيافيللي في الخامس من أكتوبر عام 1502، وقدم نفسه للدوق بعد ذلك بيومين في مدينة إيمولا.
تعد هذه المهمة بداية أهم فترة شكلت حياة مكيافيللي المهنية الدبلوماسية، وهي الفترة التي كان قادرا فيها على لعب أكثر دور سره على الإطلاق، هو دور مراقب ومقيم مباشر للطريقة التي تدار بها شئون الحكم المعاصر. كانت هذه أيضا هي الفترة التي توصل فيها إلى أحكام قاطعة عن معظم الزعماء الذين كان بوسعه أن يراقب سياساتهم خلال مرحلة تشكلها. كثيرا ما يقال إن كتاب مكيافيللي «التمثيل الدبلوماسي» لا يحوي سوى «مواد خام» أو «مسودات تمهيدية» لآرائه السياسية التي طرحها فيما بعد، وأنه نقح ملاحظاته في وقت لاحق وهذبها خلال سنوات تقاعده الجبري. لكن كما سنرى، تكشف دراسة أجريت عن «التمثيل الدبلوماسي» أن آراء مكيافيللي - وحتى ما أثر عنه من أقوال - قد خطرت له لحظيا في أغلب الأحيان، ثم أدرجت فيما بعد، دونما تغيير، في صفحات كتاب «المطارحات» وكتاب «الأمير» خاصة.
استمرت بعثة مكيافيللي إلى بلاط بورجا نحو أربعة أشهر، أجرى خلالها العديد من المحادثات الثنائية مع الدوق، الذي كان يبدو أنه يبذل قصارى جهده كي يجلي حقيقة سياساته وما تنطوي عليه من طموحات. كان هذا محط إعجاب عظيم من جانب مكيافيللي؛ فقد ذكر أن الدوق «يتمتع بشجاعة فائقة»، فضلا عن كونه رجلا ذا خطط عظيمة، «يظن أنه قادر على بلوغ أي شيء يريده» (ت د 520)، علاوة على أن أفعاله لا تقل إدهاشا عن أقواله؛ لأنه «يراقب كل شيء بنفسه»، ويحكم «في تكتم بالغ»، ومن ثم لديه القدرة على اتخاذ القرار وتنفيذ خططه «بسرعة مبهرة» (ت د 472، 503). باختصار، أدرك مكيافيللي أن بورجا ليس مجرد قائد محدث نعمة لمجموعة من المرتزقة، وإنما شخص «لا بد أن ينظر إليه الآن باعتباره قوة جديدة في إيطاليا» (ت د 422).
Неизвестная страница