وحضرت مجلسا جليلا أجري فيه ذكره، فقال الحاضرون فيه غثا وسمينا، فحفظته بالغيب وقلت: إن المعلوم من صلابته في زهده يحميه من الظنة والريب. وقام في نفسي أن عنده من حقائق دين الله سرا، قد أسبل عليه من التقية سترا، وأمرا تميز به من قوم يكفر بعضهم بعضا. ولما سمعت البيت:
غدوت مريض العقل والدين فالقني
لتعلم أنباء الأمور الصحائح
وثقت من خلدي فيما حدست عهوده وقلت: إن لسانا يستطيع بمثل هذه الدعوى نطقا ... للسان «صامت» عنده كل «ناطق» ... فقصدته قصد موسى للطور اقتبس نارا ... فأدليت دلوي بالمسألة «الخفية» التي سألت ...»
ثم يعتذر الداعي عن كل ما سلف في رسائله ويختم هذه الرسالة بقوله: «وقبل وبعد، فأنا أعتذر عن سر له أدام الله سلامته، أديته، وزمان منه بالقراءة والإجابة شغلته، لأنني، من حيث ما نفعته، ضررته، والله تعالى يعلم أني ما قصدت به غير الاستفادة من علمه والاغتراف من بحره والسلام.»
ولست أدري كيف يحسب مثل هذا الكلام تهجما على قدس الشيخ، وأن يقال إن داعي الدعاة أمر بإحضاره إلى حلب، ولما علم أبو العلاء أنه يحمل للقتل أو الإسلام، سم نفسه فمات؟
هذه أولى الأراجيف؛ فداعي الدعاة كما تلمح من مخاطبته أبا العلاء يعلم أنه يخاطب أستاذا أو زميلا على الأقل، وقد خاطبه بالمصطلحات والتعابير الفاطمية، واعتذر له عن إزعاجه إياه بالرد عليه. أما قول داعي الدعاة إن الناس مختلفون في دين أبي العلاء فهو يقول حقا ولهذا كتب إليه، ولما علم أنه من «الجماعة» تركه وبالغ في تعظيمه والاعتذار إليه. أما الآخرون فاسمع كيف يخاطبونه:
كلب عوى بمعرة النعمان
لما خلا من ربقة الإيمان
أمعرة النعمان ما أنجبت إذ
Неизвестная страница