مُقَدّمَة فِي مَعَاني الالفاظ المترادفة على النَّفس وَهِي أَرْبَعَة النَّفس وَالْقلب وَالروح وَالْعقل أما النَّفس فَتطلق بمعنيين أَحدهمَا أَن يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْمَعْنى الْجَامِع للصفات المذمومة وَهِي القوى الحيوانية المضادة للقوى الْعَقْلِيَّة وَهُوَ الْمَفْهُوم عِنْد اطلاق الصُّوفِيَّة فَيُقَال من أفضل الْجِهَاد أَن تُجَاهِد نَفسك واليه الْإِشَارَة بقول نَبينَا ﵇ أعدى عَدوك نَفسك الَّتِي بَين جنبيك وَالثَّانِي أَن يُطلق وَيُرَاد بِهِ حَقِيقَة الْآدَمِيّ وذاته فَإِن نفس كل شَيْء حَقِيقَته وَهُوَ الْجَوْهَر الَّذِي هُوَ مَحل المعقولات وَهُوَ من عَالم الملكوت وَمن عَالم الْأَمر على مَا نبين نعم تخْتَلف أسماؤها باخْتلَاف أحوالها الْعَارِضَة عَلَيْهَا فَإِن اتجهت إِلَى صَوَاب الصَّوَاب وَنزلت عَلَيْهَا السكينات الآلهية وتواترت عَلَيْهَا نفحات فيض الْجُود الإلهي فتطمئن إِلَى ذكر الله ﷿ وتسكن إِلَى المعارف الإلهية وَتَطير إِلَى أَعلَى أفق الملكية فَيُقَال نفس مطمئنة قَالَ الله تَعَالَى ﴿يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية﴾ وان كَانَت مَعَ قواها

1 / 15

وجنودها فِي حراب وقتال وشجار ونزاع وَكَانَت الْحَرْب بَينهمَا سجالا فَتَارَة لَهَا الْيَد عَلَيْهَا وَتارَة للقوى عَلَيْهَا الْيَد فَلَا تكون حَالهَا مُسْتَقِيمَة فَتَارَة تنْزع إِلَى جَانب الْعُقُول فتتلقى المعقولات وَتثبت على الطَّاعَات وَتارَة تستولي عَلَيْهَا القوى فتهبط إِلَى حضيض منَازِل الْبَهَائِم فَهَذِهِ النَّفس نفس لوامة وَهَذِه النَّفس هِيَ حَالَة أَكثر الْخلق فَإِن من ارْتَفع إِلَى أفق الْمَلَائِكَة حَتَّى تحلى بالعلوم والفضائل النفسية والأعمال الْحَسَنَة فَهُوَ ملك جسماني لارتفاعه عَن الإنسانية وَعدم مشاركته للبشر إِلَّا بالصورة التخطيطية وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى ماهذا بشرا إِن هَذَا إِلَّا ملك كريم وَمن اتضع حَتَّى صَار فِي حضيض الْبَهَائِم فَلَو تصور كلب أَو حمَار منتصب الْقَامَة مُتَكَلم لَكَانَ هُوَ اياه لانسلاخه عَن الْفَضَائِل الانسانية وَعدم مشاركته للانسان إِلَّا بالصورة التخطيطية وَهَذِه هِيَ النَّفس الأمارة بالسوء فجلهم إِذا فَكرت فيهم ... حمير أَو كلاب أَو ذئاب وَهُوَ من الْأنس الْمَذْكُورين فِي قَوْله تَعَالَى ﴿شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ يوحي بَعضهم إِلَى بعض زخرف القَوْل غرُورًا﴾ وَقَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ ﵁ يَا أشباه الرِّجَال وَلَا رجال فَمثل هَذِه النَّفس ترَاهُ أبدا عبدا لحجر أَو مدر أَو بَهِيمَة أَو ضعينة وَهَذَا هُوَ الَّذِي أخبر الله سُبْحَانَهُ عَنهُ فَقَالَ ﴿إِن النَّفس لأمارة بالسوء﴾ أما الْقلب فيطلق أَيْضا بمعنيين أَحدهمَا اللَّحْم الصنوبري الشكل الْمُودع فِي جَوف الْإِنْسَان من جَانب الْيَسَار وَقد عرف ذَلِك بالتشريح وَهُوَ مركب الدَّم الْأسود ومنبع البخار الَّذِي هُوَ مركب الرّوح الطبي الحيواني

1 / 16

وَهَذَا يكون لجَمِيع الْحَيَوَانَات وَلَيْسَ بخاص للانسان وَهُوَ الَّذِي يفنى بِالْمَوْتِ جَمِيع الْحَواس بِسَبَبِهِ وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي نَحن بصدد بَيَانه هُوَ الرّوح الانساني المتحمل لأمانة الله المتحلي بالمعرفة المركوز فِيهِ الْعلم بالفطرة النَّاطِق بِالتَّوْحِيدِ بقوله بلَى فَهُوَ أصل الْآدَمِيّ وَنِهَايَة الكائنات فِي عَالم الْمعَاد قَالَ الله تَعَالَى ﴿قل الرّوح من أَمر رَبِّي﴾ وَقَالَ ﴿أَلا بِذكر الله تطمئِن الْقُلُوب﴾ وَقَالَ نَبينَا ﵇ إِن قُلُوب بني آدم كلهَا بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن الخ وحيثما ورد فِي الشَّرْع الْقلب فيراد بِهِ مَا نَحن بصدد بَيَانه وان أطلق فِي مَوضِع على اللَّحْم الصنوبري فَلِأَنَّهُ مُتَعَلّقه الْخَاص وَأول مُتَعَلّقه كَمَا قَالَ النَّبِي ﷺ إِن جَوف ابْن آدم لمضغة اذا صلحت صلح بهَا سَائِر الْجَسَد وَإِذا فَسدتْ فسد بهَا سَائِر الْجَسَد الا وَهِي الْقلب أما الرّوح فيطلق وَيُرَاد بِهِ البخار اللَّطِيف الَّذِي يصعد من منبع الْقلب ويتصاعد إِلَى الدِّمَاغ بِوَاسِطَة الْعُرُوق أَيْضا إِلَى جَمِيع الْبدن فَيعْمل فِي كل مَوضِع بِحَسب مزاجه واستعداده عملا وَهُوَ مركب الْحَيَاة فَهَذَا البخار كالسراج والحياة الَّتِي قَامَت بِهِ كالضوء وَكَيْفِيَّة تَأْثِيره فِي الْبدن ككيفية تنوير السراج أَجزَاء الْبَيْت وَيُطلق وَيُرَاد بِهِ الْمُبْدع الصَّادِر من أَمر الله تَعَالَى الَّذِي هُوَ مَحل الْعُلُوم وَالْوَحي والالهام وَهُوَ من جنس الْمَلَائِكَة مفارق للْعَالم الجسماني قَائِم بِذَاتِهِ على مَا نبين وَيُطلق أَيْضا وَيُرَاد بِهِ الرّوح الَّذِي فِي مُقَابلَة جَمِيع الْمَلَائِكَة وَهُوَ الْمُبْدع الأول وَهُوَ روح الْقُدس

1 / 17

وَيُطلق أَيْضا وَيُرَاد بِهِ الْقُرْآن وعَلى الْجُمْلَة فَهُوَ عبارَة عَمَّا بِهِ حَيَاة مَا على الْجُمْلَة أما الْعقل فيطلق وَيُرَاد بِهِ الْعقل الاول وَهُوَ الَّذِي يعبر عَنهُ بِالْعقلِ فِي قَول النَّبِي ﷺ أول مَا خلق الله الْعقل فَقَالَ لَهُ أقبل فَأقبل ثمَّ قَالَ لَهُ أدبر فَأَدْبَرَ أَي أقبل حَتَّى تستكمل بِي وَأدبر حَتَّى يستكمل بك جَمِيع الْعَالم دُونك وَهُوَ الَّذِي قَالَ الله تَعَالَى لَهُ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا خلقت خلقا أعز عَليّ وَلَا أفضل مِنْك بك آخذ وَبِك أعطي الحَدِيث وَهُوَ الَّذِي يعبر عَنهُ بالقلم كَمَا قَالَ ﵇ ان أول مَا خلق الله الْقَلَم فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ فَقَالَ وَمَا أكتب قَالَ مَا هُوَ كَائِن الى يَوْم الْقِيَامَة من عمل وَأثر ورزق وَأجل فَكتب مَا يكون وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة والاطلاق الثَّانِي أَن يُطلق وَيُرَاد بِهِ النَّفس الإنسانية وَالْإِطْلَاق الثَّالِث أَن يُطلق وَيُرَاد بِهِ صفة النَّفس وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّفس كالبصر بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعين وَهِي بواسطته مستعدة لادراك المعقولات كَمَا أَن الْعين بِوَاسِطَة الْبَصَر مستعدة لادراك المحسوسات وَهُوَ الَّذِي قَالَ رَسُول الله ﷺ فِيهِ عَن ربه عزوجل وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأكمننك فِيمَن أَحْبَبْت وَنحن حَيْثُ أطلقنا فِي هَذَا الْكتاب لفظ النَّفس وَالروح وَالْقلب وَالْعقل فنريد بِهِ النَّفس الانسانية الَّتِي هِيَ مَحل المعقولات

1 / 18

بَيَان اثبات النَّفس على الْجُمْلَة النَّفس أظهر من أَن تحْتَاج الى دَلِيل فِي ثُبُوتهَا فان جَمِيع خطابات الشَّرْع تتَوَجَّه لَا على مَعْدُوم بل على مَوْجُود حَيّ يفهم الْخطاب وَلَكِن نَحن نستظهر فِي بَيَانه فَنَقُول من الْمَعْلُوم الَّذِي لَا يرتاب فِيهِ إِن الْأَشْيَاء مهما اشتركت فِي شَيْء وافترقت فِي شَيْء آخر فَإِن الْمُشْتَرك فِيهِ غير المفترق فِيهِ ونصادف كَافَّة الْأَجْسَام مُشْتَركَة فِي أَنَّهَا أجسام يُمكن أَن يفْرض فِيهَا أبعاد ثَلَاثَة متقاطعة ثمَّ نصادفها بعد ذَلِك مفترقة بالتحرك والادراك فَإِن كَانَ تحركها لأجل جسميتها فَيَنْبَغِي أَن يكون كل جسم متحركا لِأَن الْحَقَائِق لَا تخْتَلف وَمَا يجب لنَوْع يجب لجَمِيع مَا يُشَارِكهُ فِي ذَلِك النَّوْع وَتلك الْحَقِيقَة وان كَانَ لِمَعْنى وَرَاء الجسمية فقد ثَبت على الْجُمْلَة مبدأ للْفِعْل فَذَلِك المبدأ هُوَ النَّفس إِلَى أَن يتَبَيَّن انه جَوْهَر أَو عرض مِثَال ذَلِك أَنا نرى الْأَجْسَام النباتية تغتذي وتنمو وتولد الْمثل وتتحرك حركات مُخْتَلفَة من التشعيب والتعريق فَهَذِهِ الْمعَانِي ان كَانَت للجسمية فَيَنْبَغِي أَن تكون جَمِيع الْأَجْسَام كَذَلِك وان كَانَت لغير الجسمية بل لِمَعْنى زَائِد فَذَلِك الْمَعْنى يُسمى نفسا نباتية ثمَّ الْحَيَوَان فِيهِ مَا فِي النَّبَات ويحس ويتحرك بالإرادة ويهتدي إِلَى مصَالح نَفسه وَله طلب لما ينفع وهرب عَمَّا يضر فنعلم قطعا أَن فِيهِ معنى زَائِدا على الْأَجْسَام النباتية ثمَّ نجد الانسان

1 / 19