المسألة الخامسة: في فضل الفقه ويدل على فضله ما تقدم من الآيات وكثير من الأحاديث، فمن ذلك ما يروى عن معاوية أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما يخشى الله من عباده العلماء»، وفي رواية: «إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين، وألهمه رشده»، وفي /34/ حديث آخر عنه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أفضل العبادة الفقه، وأفضل الدين الورع»، وفي رواية: «قليل العلم خير من كثير العبادة، وكفى بالمرء فقها إذا عبد الله، وكفى بالمرء جهلا إذا أعجب برأيه»، وهذا الحديث يدل على اشتراط العمل في صحة إطلاق اسم الفقيه على العالم، كما هو مشترط في بعض التعاريف المتقدم ذكرها آنفا، وفي الحديث: «فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد»، و«فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم»، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من سلك طريقا يلتمس فيها علما سهل الله له طريقا إلى الجنة»، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء»، «وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب»، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: «العلماء ورثة الأنبياء، إذ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر»، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، وبه يعرف الحلال من الحرام».
وقال صفوان بن عسال المرادي: "أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله إني جئت أطلب العلم. فقال: «مرحبا بطالب العلم، إن طالب العلم لتحفه الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضهم بعضا حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب».
وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: «طلب العلم فريضة على كل مسلم، وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب»، وهذا الحديث يدل على تحريم بذل العلم لمن لم يكن من أهله، فلا يجوز أن يبذل العلم لمن علم منه أنه يطلب به شرفا في الدنيا، أو منزلة من السلطان، أو جاها في الناس، أو يكتسب به مالا، إلى غير ذلك من المقاصد الفاسدة، ومن ثم كان السلف رحمهم الله يردون السائل مرارا ولا يبذلون له العلم من أول مرة اختبارا لحاله، مخافة أن يضيعوا الحكمة التي أمرهم الله بصونها، فإذا عرفوا منه صدق الطلب وأهلية البذل بسطوا له في ذلك، وأدوا إليه الأمانة التي أمرهم الله بأدائها. والأحاديث في فضل العلم كثيرة يضيق المقام عن استقصائها.
Страница 69