قلنا: ليس هذا بشيء؛ لأن حمد الله على العافية مشروع، ونجاة ماله من الحرق من جملة النعم التي يجب الشكر عليها، فحمده على نجاة دكانه من الحرق: إما واجب أو مندوب، فالاستغفار من ذلك حرام. وأيضا: فإن الفخر بنفسه ذكر في بيان الفرق بين الحمد والمدح، أن المدح قد يكون منهيا عنه؛ وأما الحمد فإنه مأمور به مطلقا، وإذا كان الحمد مأمورا به مطلقا فما وجه الاستغفار عن فعل ما أمر الله بفعله، بل الاستغفار عن ذلك حرام، والله أعلم.
المسألة الرابعة: [(الحمد لله) كلمة جليلة يجب على العاقل إجلالها]
قال الفخر: إن قولنا: (الحمد لله) كلمة جليلة شريفة يجب على العاقل إجلال هذه الكلمة من أن يذكرها في مقابلة نعم الدنيا، بل يجب أن لا يذكرها إلا عند الفوز بنعم الدين.
وهذا باطل لأن الشارع أمرنا بالحمد والشكر على نعم الدنيا ونعم الدين، فالواجب امتثال أمر الشارع واطراح ما زعمه الفخر، وقد قدمت لك أن الفخر روى في تفسيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا أنعم الله على عبده نعمة، فيقول العبد (الحمد لله)، فيقول الله تعالى: انظروا إلى عبدي أعطيته ما لا قدر له فأعطاني ما لا قيمة له».
قال الفخر: "وتفسيره أن الله إذا أنعم على العبد كان ذلك الإنعام أحد الأشياء المعتادة: مثل أنه كان جائعا فأطعمه، أو كان عطشانا فأرواه، أو كان عريانا فكساه".
هذا كلامه في تفسير الحديث الذي رواه، وهو مبطل لما قرره من وجوب ترك حمد الله على النعم الدنيوية، وإقرار المرء على نفسه أعظم حجة من شهادة الشهود عليه، والله أعلم.
Страница 31