استراحت سوزان؛ فقد كانت تخشى، نظرا لعمرها، ألا ترى الكتاب منشورا. ولقد نشر بالقاهرة من قبل دار المعارف؛ أي الدار ذاتها التي نشرت معظم مؤلفات أبي. لاقى عنوان الكتاب نفسه الإعجاب. كل الذين وكل اللواتي في العالم العربي الواسع يحبون ويحببن الأدب، وبصورة أعم الثقافة، استقبلوا مذكرات أمي استقبالا ممتازا، ورأيت أمي تعبر عن رضاها للمرة الأولى في حياتها؛ إذ إنها في الحقيقة كانت كما رأينا صعبة، ونادرا ما كانت ترضى عن الآخرين، بل وأشد ندرة أن ترضى عن نفسها. كانت ها هنا قد حققت إنجازا حقيقيا. كان الناس جميعا يقولون ذلك لها ويهنئونها عليه. وعلى غرار أبي، لم يكن لديها أي غرور. كانت تتلقى التكريم والتهاني بابتسامة متواضعة، وذات مساء، أمكن لهذه المرأة التي كانت في بعض جوانب شخصيتها شرسة وتثير سخطي على نحو خاص، أن تمس أعماق القلب مني. إذ قالت لي:
أنت تفهم يا صغيري (كان لي من العمر عندئذ خمسة وخمسون عاما! لا بل كانت تناديني أحيانا «يا صبيي الصغير ...»)، أنت تفهم أنني كنت مدينة بهذا إلى أبيك.
غشيت عيناها وأضافت: «أنا مدينة له بأكثر من ذلك بكثير أيضا!»
5
وفي مكان آخر، يعود أبي مرتين إلى هذه القصة المؤثرة التي كتبت عند مغرب حياة:
حين أعطتني أمي بعد عدة سنوات كي أقرأ المذكرات التي عكفت تحت إلحاح عدد من أصدقائها على تحريرها، تأثرت من هذه القراءة التي كانت فيها امرأة في الثمانين من عمرها تصرخ بطريقة شجية الحب الخارق الذي عاشته خلال ما يقارب ستين عاما للزوج الذي أتت على فقدانه.
6
ثم بعد ذلك:
كانت حين تستعيد الماضي، تصير مثيرة للحماس: كانت ذاكرتها مذهلة، وبمجرد أن تتكلم عن أبي، تصير مثيرة للشجون (...) وكتاب ذكرياتها «معك» هو البرهان المؤثر على ذلك.
7
Неизвестная страница