كان طه يحب هذه البلدة . وأسير مع ظل عزيز على امتداد السيل المتدفق والمياه العميقة تتراقص دون توقف على الحصى، وهي تجري نحو نهر «الأديج
Adige » القريب لتضيع في مياهه. كنا غالبا ما نذهب في الماضي لرؤية هذا اللقاء. وكنا، نحن أيضا، نمشي دون أن نتمكن من الوقوف نحو نهاية كنا غير قادرين على تصورها. ولا شك أننا لم نكن نفكر في ذلك عندما كنا نمشي على شاطئ «باسيريو
». كان طه يتوقف من حين لآخر ليصغي إلى خرير المياه الجارية. وكنت أبعد من طريقه الحجارة. هذا الطريق الذي أصبح الآن، عندما نذهب لرؤية الأديج، معبدا، خاليا من الحصى. كان لا بد من قطع الأشجار الجميلة ذات الأوراق الكثيفة. فندق «الإكسلسيور
Excelsior » مغلق الآن، وكنا كففنا عن النزول فيه منذ أربعة أعوام، بيد أننا نحتفظ منه بذكرى غالية. ذات مساء، وكان الوقت قد تأخر بنا، كنا نسرع، بل كنا نكاد نركض. فقد كان جورج لابيرا ينتظرنا منذ ساعتين، ولم نكن نعلم بمجيئه. كان قادما ذلك اليوم من «سيلفا فال جاردينيا
Selva Val Gardena » التي لم تكن بعيدة جدا. ذلك أنه منذ سنتين قدم إلينا من فلورنسا وعاد إليها في مساء اليوم الذي جاء فيه نفسه. أما اليوم فقد قدم ليقضي ساعة مع صاحبه، ولم نكن ندري أن ذلك اللقاء كان لقاء الوداع.
وكيف لا أذكرك أيضا يا ماريا ناللينو،
136
المخلصة الحنون، وقد كنت تأتين كل عام لتعبري عن احترامك وودك لمن كنت تعجبين به، وما أتيت مرة إلا وحملت لي فيها معك باقة من الزهور؟! لم أستطع عندما عدت إلى إيطاليا أن أقبلك؛ فقد رحلت عنا، أنت أيضا، باكرا جدا.
تجتاحني الذكريات القريبة وتزعزعني إلى الحد الذي يصعب علي معه أن أتحدث عن الأحزان القديمة. لكنها أحزان ذات أهمية مع ذلك، وكانت ثورتي كبيرة إزاء الأذى الذي كان بالوسع إلحاقه بإنسان كطه عن وعي وتبصر. لكنني أعتقد الآن، أنه بعد أن خيم الصمت العظيم، وامحت الوجوه الحاقدة والعدوانية إلى الأبد، ربما كف أولئك الذين أوذوا عن الغضب ممن آذوهم ما إن اجتازوا عتبة الحياة البشرية. والحق أن طه كان، منذ عام 1932، يأسف لاضطراره للعمل على قلب خصمه الرهيب صدقي، وقد كتب لي بعد أن كتب مقالا لاذعا:
لا أحب أن أكون قاسيا. وعندما اضطررت لأن أكون كظلك على الرغم مني، فقد كنت بحاجة لأن ألين نفسي. ولو أنك كنت قربي، إذن لوضعت رأسي على كتفك.
Неизвестная страница