239
وقد أسفت لذلك؛ فقد كان مود ودودا، وكان يريد منذ أن كان في القاهرة أن يعرفنا بزوجته التي كانت موسيقية ماهرة. لكني أمضيت وحدي، في الشقة المريحة بفندق كلاريدج، دون كلام؛ أمسية هادئة بالقرب من نار الحطب المتأججة، بحيث إنني تمكنت من الذهاب إلى أكسفورد في حالة ملائمة إلى حد ما، قادنا إليها «وايمان
Wayment »، مترجم الجزء الثاني من كتاب «الأيام»، بسيارته. كان الجو رديئا إلى حد كبير، وكان المنظر يختفي تحت ضباب كثيف، وكنا مضطرين للسير ببطء شديد كي لا نسقط في خندق ما. أما في أكسفورد، فقد كان الجو أفضل بقليل؛ لكن نوفمبر ليس يونيو، ولم تكن أكسفورد الآن هي أكسفورد 1928، غير إن السماء لم تكن تمطر على كل حال عند دخول طه - الذي كان قليل الاعتياد على التقاليد البريطانية، لكنه يتصرف بخجل لطيف في مثل هذه المناسبات، لابسا الثوب الأرجواني - فناء الكلية، ثم المدرج الكبير «شلدونيان تياتر
Sheldonian Theatre »، وقد ألقيت الخطبة التي وجهها له الخطيب العام باللغة اللاتينية، وذلك ما جعل من الدكتور الجديد شابا مرة أخرى.
ثم صحبونا إلى مانشستر، واستقبلنا اللورد - العمدة - في قاعة المدينة العامة، وبدا مظهره احتفاليا في طقمه ومع السلسلة الضخمة من حول عنقه، لكنه كان كثير الأنس في حديثه. ولقد بقيت مدهوشة لرؤيتي مدينة كانت بفضل حيوية وذكاء سكانها في منتهى المرح برغم قتامتها وبللها وحزنها المحتوم الذي لا بد منه؛ إذ بمجرد أن تغلق الأبواب دون السماء الكدرة والظلمة المغمة، تدفئنا الأنوار وصخب الأحاديث الدائرة وسعادة اللقاء بوجوه باسمة متفتحة وعظيمة الود.
كانت حفلة الغداء في الجامعة لطيفة؛ كما كانت المحادثة مع أستاذ للأدب الفرنسي في مانشستر غير متوقعة إلى حد ما، وقد وجه إلى طه كلمة جميلة ختمها على النحو التالي:
سأجهد، لكني أستغفركم جرأتي، وبالرغم من قصور الترجمة، أن أستشهد بأبيات من قصيدة، مطبقا معانيها عليكم، وهي قصيدة تعرفونها أفضل من أي إنسان آخر بما أنها للمتنبي:
240
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
Неизвестная страница