127

لم نكن ننتظر زيارة «بيير بوردان

»، وكنا نعرف جيدا الصوت الذي كان يصلنا من لندن مع صوت موريس شومان وجان ماران أيام الفرنسيين الأحرار،

212

لكننا لم نكن قد رأيناه إطلاقا. وعندما حضر لرؤية طه بقي عنده أكثر من ساعة ونصف الساعة، ثم جاء ثانية صباح يوم سفره، وكتب لنا رسالة من تونس التي ذهب إليها ، وهي رسالة ما زلت أحتفظ بها. ولقد مات هذا الشاب المتواضع، الخجول إلى حد ما، والذي يفيض ودا ... مات بعد وقت قليل. لقد عبر سريعا، لكن طه، شأنه في ذلك شأني، كان يعتبره دوما صديقا.

وجاء كوكتو بدوره إلى مصر. وقال لطه على الهاتف عندما اتصل به: «أنتظر بفارغ الصبر أن أقبلك.» ووصل وقبله. وتناول العشاء في البيت، ثم قام بزيارتنا مرتين، واستمرت زيارته في كل مرة ثلاث ساعات. لم يكن ساكنا على الإطلاق، بل كان حيويا في إشاراته وفي كلماته، وكان يختار الجلوس حين يدخل الصالون ليس على مقعد وإنما على درجة طويلة من الخشب تحاذي الفتحة ذات الباب الزجاجي التي ننزل منها إلى الحديقة. كنت أجلس قربه وأبقى مأخوذة أستمع إليه وهو يلوح بيديه الذكيتين اللتين كانتا تتحركان بشكل لا يصدق، واللتين كانتا ترسمان أمامه أشكالا غير مرئية.

ذات يوم، جلست إلى جانب طه على الأريكة ذات اللون الوردي الهادئ امرأة صغيرة الحجم، وكانت هذه المرأة إديث بياف. كنا قد حضرنا حفلتها الغنائية، ولكني لم أكن أتصور على كل حال أنها بهذا الحجم، فقد كان العرض والإضاءة يزيدان من حجمها. كما لم أر أن عينيها الزرقاوين على هذا القدر من الصفاء، هاتين العينين اللتين كادتا أن تفقدهما ذات يوم، ولقد حدثتنا عن ذلك.

ومر «جوفيه

Jouvet » مع فرقته. ودهشت إذ وجدته في منتهى الحرارة وهو يمثل في «أوندين

Ondine ». ولعل مرد ذلك إلى أنه كان من التعب بحيث لم يكن يسيطر على لهجته المعتادة ذات الطابع الحيادي إلى أقصى حد، والساحرة أيضا. تناولنا الغداء معه في بحيرة قارون

213

Неизвестная страница