60

فصاح الفتى وهو يقرقر ضاحكا: الحقي بي إذا استطعت يا أمه.

ثم جذب شعر الفرس وضرب ظهرها برجليه، فاندفعت تعدو به في المرج الفسيح عدوا هينا، فلم يكن لعاتكة إلا أن تعدو بفرسها في إثره وقد داخلها كثير من الخوف عليه، وطالت بينهما المسابقة حينا حتى لحقت به واستوقفته، وقالت له في شيء من الغضب: لقد أسأت يا عمير وعصيتني.

فلم يقلل الصبي من مرحه عند سماع لومها، بل قال ولا يزال يضحك: كان في استطاعتي أن أعجزك عن إدراكي.

فلم تملك عاتكة إلا أن تبتسم وتصرف ما ثار في نفسها من الغضب، وقالت له في عطف: هلم بنا نعود فقد بعدنا عن القصر، والسغد قريبون منا.

فعاد الصبي إلى الضحك وهو يمسك بقوسه: وماذا تخشين يا أمه؟ لست أبالي السغد، فهذه قوسي.

فاقتربت منه عاتكة وقالت وهي تمسح عنق فرسه: سابقني إذا شئت في العودة يا عمير.

وفيما كانت تدير جوادها إلى جهة القصر لاح لها فارس يعدو نحوها، فأرادت أن تسرع عائدة، ولكن الصبي تلكأ وهو يعيد عليها أحاديثه وضحكاته حتى اقترب الفارس وترجل وأقبل نحوها، فوضعت عاتكة الخمار على وجهها، واتجهت إلى الصبي وقالت له في حدة: هلم يا عمير.

وأحست في نفسها غضبة قوية؛ لأن ذلك الفارس تعود أن يتعرض لها في المرج منذ حين كلما تحين خلوتها.

واقترب الفارس وأشار إليها بالتحية متأدبا وهو باسم، ولم يخف على عاتكة ما بدا على وجهه من اضطراب كان يحاول أن يخفيه تحت ابتسامته. فلم تجب عاتكة على تحيته، بل انصرفت إلى الصبي وقالت له في شيء من الصرامة: أرني الآن كيف تحسن الركوب يا عمير.

ثم همزت جوادها في شيء من العنف وضربت بيدها كفل فرس الصبي، فعدا الجوادان، وجعل الصبي يصيح بفرسه أن تسرع حتى يدخل القصر سابقا، ووقف الفارس ينظر في أثرها، وعلى وجهه آثار من الدهشة والخيبة.

Неизвестная страница