43

فقال أبو العاصي غاضبا: والله ما أصبر عليك إلا لأنك في بيتي.

واتجه إلى عمرو بن هشام قائلا: ألمثل هذا جئتم اليوم إلي في داري؟ ألا فاعلم يا أبا الحكم أن أنفي لا يرغم وأن شوكتي لا تلين. ولو شئت أن أخرج إلى المدينة لألحق بمحمد لفعلت ولم يجرؤ أحد على أن يتعرض لي. ولكني أقيم هاهنا في مكة حتى لا أفارق قومي ولا أخذلهم. فإذا أبى قومي إلا أن يذلوني فإني أقدر على الانتصاف لنفسي.

فقال عمرو بن هشام في شيء من السخرية: كل هذا من أجل امرأة؟

فصاح أبو العاصي ثائرا: لن أسمح لك أن تعيدها يا ابن هشام. أنت تعرف من هذه المرأة التي تتحدث عنها؟ فهي إذا لم تكن ابنة محمد فإنها ابنة خالتي. إذا لم تكن زينب امرأتي وقفت دونها أحميها لأنها من دمي ومن عرضي. لن أطلق امرأتي، ولقريش أن تفعل ما تشاء إذا شاءت عداوتي. أترون قولي هذا واضحا صريحا!

فتصاعدت من الجميع أصوات حانقة واضطربوا في غيظ، وصاح الوليد بن عتبة : ها هو ذا يتحداكم.

وصاح الأسود بن عبد الأسد المخزومي: إنه مع محمد.

وقال عمرو بن هشام: ستعرف يا ابن الربيع أنك قد أسأت إلى نفسك، ولن ينفعك محمد إذا نبذتك قريش وخلعت عنك حمايتها. لقد أعذر من أنذر.

وخرج بغير أن ينظر إلى أبي العاصي، وسار أصحابه من ورائه يتصايحون غضبا.

ولما انصرف الجمع خرجت زينب من حجرتها وكانت قريبة تسمع أحاديث القوم، فجاءت إلى زوجها حزينة وألقت برأسها على كتفه تبكي بكاء مرا. وأخذها أبو العاصي في رفق وأجلسها على أريكة في فناء الدار وجلس إلى جنبها وقال لها: لا تحزنك هذه الأحاديث يا زينب، فلن يجرؤ أحد منهم بعد هذا على معاودتها. سأجيبهم إذا عادوا لمثل هذا الحديث جوابا شافيا.

فقالت وهي تجفف دموعها: هذا ما أخشاه يا ابن خالة. أخشى هذه المصادمات التي لا تنقطع بينك وبين هؤلاء، ولا آمن أن تثور يوما فيخرج الأمر من أيدينا.

Неизвестная страница