وكان يوما من أيام الشتاء الباردة عندما فتح باب الحجرة على مينا ودخل الضوء إليه. وكانت نفسه في ذلك اليوم خائرة، فلم ينهض من مكانه على الأرض الرطبة، بل أغمض عينيه وأدار وجهه عن الباب، وانتظر لحظات ريثما يتحمل بصره الضوء في بطء وحذر. ولكنه سمع السجان يناديه: قم معي يا مينا بن حنا. قم وأسرع فإن الأمير ينتظرك.
فتمتم الرجل في ضعف: أما من رحمة في قلوبكم؟ إنني لا أكاد أقوى على الوقوف أيها المسيحي.
فصاح السجان الرومي: قم سريعا. أما تسمع؟
فتحرك مينا حركة قلقة في مكانه، ثم نهض واقفا وهو يترنح، ومد يده إلى الجدار يتوكأ عليه حتى استقام، ثم التفت إلى السجان وقد فتح عينيه وتغير مظهره فجأة، فاحمر جبينه ومد عنقه كأنه يريد نضالا، ثم نطق بصوت أجش فقال: لن أذهب إلى العذاب بقدمي مرة أخرى. اذهب إلى أميرك، فقل له إنني أمقته. فليحمل آلات العذاب إلى هنا على عاتقه إذا شاء.
وكانت لحيته الغبراء التي صبغها السجن شيبا تهتز في عنف، وعلا صدره بالأنفاس وارتفع رأسه حتى كاد ظهره المقوس يعتدل. فوقف الرومي حينا صامتا ينظر إليه في دهشة ثم قال بصوت حانق: ماذا تقول أيها الأحمق؟ إن الأمير يدعوك .
فصرخ مينا: اذهب إليه فأبلغه أنني أمقته. لن أذهب إليه على رجلي. قل له إنني أود لو استطعت أن أمزق أعضاءه!
فقال السجان رافعا صوته: ماذا حدث بك يا مينا بن حنا؟ هل ذهب عقلك؟ أتريد أن أقول للمقوقس إنك تمقته وإنك تريد أن تقطع أوصاله؟!
فصرف الرجل وجهه عن السجان، ثم سار خطوتين يهتز في مشيته متجها نحو ركن الحجرة.
فاقترب السجان منه ووضع يده على كتفه برفق، وقد دبت في قلبه هزة من الشفقة، وقال له: هلم معي وكن هادئا. فإن الأمير الأعظم قيرس يريد أن يراك.
فالتفت مينا إليه لفتة مترددة وقال له: يريد أن يراني؟
Неизвестная страница