21

ولقد كنت أحب موسى وأجله، وكنت من أكثر الناس عطفا عليه وتقديرا لآرائه، ولكني شعرت عند ذلك بالغيظ يملأ قلبي. فقد كنت من بني لاوي سادة إسرائيل، فكيف يصيح بنا هكذا؟ ولما رأيت الناس يسيرون خلفه ثارت ثائرتي عليهم وصحت فيهم: «إنكم عبيد حقا.»

وعزمت على مفارقتهم.

وجاء إلي امرأتي ليلا فرأتني أتململ ولا يجد النوم سبيلا إلى جفني، فسألتني عن سبب اضطرابي، فأعلمتها السبب وأخبرتها أنني عزمت على مفارقة موسى. وكانت المرأة حاقدة على موسى؛ لأنه لم يعد إليها حليها التي وهبتها لتكون زينة لتمثال أبيس يوم العيد المشئوم. فما كادت تسمع قولي حتى أخذت تشجعني على مفارقة موسى والعودة إلى مصر، وجعلت تتدفق بعبارات حانقة على من كان السبب في خروجنا إلى الصحراء.

فما طلع الفجر حتى كنا في الطريق إلى أرض جاشان.

ولكن أواه! إنني أستحق كل ما وقع علي من عقاب الله. لقد تركت موسى، ودفعتني الكبرياء إلى مفارقة الرجل الذي كان يريد لي الحرية والكرامة، فماذا وجدت عند فرعون؟ لقد قبض علي حراس فرعون هنا.

إنني الآن في هذه الحجرة المظلمة، أجلس في انتظار كلمة من فم الظالم الذي قبض علي، ويمر في خاطري كل ما وقع لي في الشهور الثلاثة الأخيرة كما تمر حوادث الماضي أمام عين الغريق. لقد أخذوا امرأتي وأبنائي وساقوهم إلى حياة الذل ليكونوا عبيدا وإماء، وأما أنا فلست أنتظر سوى العقاب العادل الذي قدره علي «أدوناي» الإله المنتقم؛ لأني لم أفضل الجوع والخوف على العبودية.

الموت آت بلا شك، ويا ليتني بقيت حرا وقابلت الموت حرا.

إنني أسمع ضجة عند باب حجرتي، وها هو ذا المفتاح يصر في ثقبه.»

وإلى هنا انتهت القصة، ونظر إلي صديقي متأثرا، ونظرت إليه صامتا، وعدت بخيالي إلى ذلك الوادي البعيد في الصحراء حيث وجدنا الصندوق والجثة، وسبحت في عالم بعيد أتصور ذلك السجين المسكين وهو يستقبل الداخلين عليه في حجرته المظلمة، التي لم يبق منها أثر فوق الرمال.

المعجزة

Неизвестная страница