لكن قتال علي ومن معه من البدريين لمعاوية -وإنكار الصحابة من قبل كعبادة بن الصامت وأبي ذر- كسر شوكة فتنته وجعل أمره واضحا للمنصفين أو على الأقل أفقده تلك المكانة التي كان سيتبوأها لو لم يعزله علي ولم يقاتله، فلذلك كان الإمام علي يقول (أنا الذي فقأت عين الفتنة)! فقتال علي له ودعائه عليه أزال الغشاوة عن كثير من الناس لأن أحد الخلفاء الراشدين كان على بغضه واستحلال قتاله وسبه وكان معه أهل بدر وأهل بيعة الرضوان يومئذ فشكل هذا حماية لمن يريد كشف حال هذا الرجل الذي فتن نصف الأمة وربما لولا قتال علي له لفتن أكثر الأمة فالحمد لله.
وعلي بن أبي طالب أيضا لانغلو فيه ولا نرى أنه يصيب دائما في تولية الولاة أو عزلهم، فقد أخطأ في عزل قيس بن سعد بن عبادة من ولاية مصر لكن عزله لمعاوية كان من أفضل أعماله وأصوبها على عكس من كان يرى إبقاءه لمعاوية، وحتى الذين نصحوه بإبقاء معاوية لم ينصحوه بهذا لصلاح في معاوية وإنما لأنهم يعرفون أن معاوية لا يريد إلا الملك فلو أبقاه علي لما طالب أدعى الطلب بدم عثمان في نظرهم وهذا فيه طعن في معاوية بأن قصده ليس المطالبة بدم عثمان وإنما يظهر هذا امتناعا من تنفيذ أمر الخليفة الشرعي، ولكن لو أبقاه علي فإن معاوية سيظهر الطلب بدم عثمان ليس حبا في عثمان ولكن لأنه يعرف أن عليا سيقيد صلاحياته الواسعة التي تمتع بها في عهد عثمان، فإن طالب بدم عثمان مع إقرار علي له تكزن خدعته قد اكتملت على الناس ويكون علي قد أقره على مظالمه السابقة ويكون قد استعمل احد أمراء السوء الذين حذر منهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان عبادة بن الصامت يحلف -وهو البدري الصادق- بأن معاوية من أؤلئك! روى ذلك الشاشي والحاكم وابن عساكر وغيرهم بإسناد قوي عن عبادة بن الصامت (راجع مسند عبادة بن الصامت عند الشاشي وغيره).
الملحوظة الثالثة والسبعون:
Страница 63