إذن فلا بد من الإقرار أن عمر على فضله وراشديته وتبشيره بالجنة كان يخطئ مثلما يخطئ أبو بكر وعثمان وعلي وابن مسعود وغيرهم من الصحابة فضلا عن التابعين فمن بعدهم، فإذا أقررنا بهذه المقدمة وهي (أن عمر يخطئ ويصيب) فلا مانع أن نجعل اقراره لمعاوية واليا على دمشق كان من الأخطاء التي جرت على الأمة مفاسد إلى يومنا هذا، لكنه رحمه الله معذور فلم يكن ليطلعه الله على الغيب، فعمر لم يكن يظن أن معاوية سيفعل ما فعل وسيحارب أهل بدر ويخرج على الخلافة ويفوض أمر الأمة ليزيد الفاسق ويدخل الأمة في نفق لم تخرج منه.. فلو كان عمر يعرف هذا لما أقر معاوية يوما واحدا ، وعمر قد عزل حابس بن سعد الطائي لنه رأى في منامه أن الشمس والقمر تصارعا فوقف مع القمر ضد الشمس فقال عمر ( فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة والله لا تلي لي عملا قط)! فلما كانت الفتنة وقف حابس بن سعد مع معاوية ضد علي، فإذا كان عمر يعزل من هو من أعوان معاوية لرؤيا منام فكيف لو عرف أن معاوية نفسه سيكون الرأس في تلك المصارعة ضد الشمس وسيقاتل أهل بدر؟ لأاظنه سيقيه يوما واحدا لكن عذر عمر أنه لا يعلم الغيب وكان معاوية يظهر له الأمانة والقوة على الروم، وقد كان عمر يشكو إلى الله من ضعف المؤمن وجلد الفاجر!
لكن معاوية بعد موت عمر وبعد أن جمع له عثمان الشام اطمأن بأن عثمان لن يعزله فأبدى ما كان يخفيه بالأمس خوفا من عمر، وكثرت مظالمه وضاق به أهل بدر والسابقين ونفى من نفى وتاجر بالخمر وظلم في توزيع الأموال وقرب الفجار وأبعد الصادقين عن طريقه، ويبدو أن علي بن أبي طالب -وهو من أعلم الصحابة بالفتن بعد حذيفة- كان يعرف هذا من معاوية فسارع بعزله، ولو لم يعزله ويقاتله لبقيت فتنته أعظم وإبطاله لسنن النبي (ص) أوضح.
Страница 62