С музыкой: воспоминания и исследования
مع الموسيقى: ذكريات ودراسات
Жанры
الأول:
أن عددا من أكبر الموسيقيين العالميين، في العالم الغربي، لا يؤمن بالتجديدات المتطرفة ويحاربها بقوة وعن وعي، ويمتنع عمدا عن عزفها في كل حفل يشرف عليه، ولا يكف في كل مناسبة عن الحملة عليها ووصفها بأنها دجل واحتيال. ويكفينا أن نذكر في هذا الصدد اسمي «بابلو كازالس» و«برونوفالتر» (قبل وفاة هذا الأخير)، لندرك أن لهذا الرأي أنصارا بين عمالقة الفن المعاصر. هؤلاء الفنانون يقومون، كل في مجاله الخاص، بنوع من الرقابة الفنية لا يختلف كثيرا عن تلك التي تمارس ضد التجديد المتطرف في بعض البلدان، ومع ذلك فإن أحدا لا يشك في إخلاصهم للفن ومناصرتهم لحرية الفنان.
والأمر الثاني:
أن الموسيقى «المباحة» في هذه الحالة ليست تقليدية على الإطلاق؛ ففيها عناصر تجديدية لا شك فيها، وهي قطعا تختلف اختلافا كبيرا عن الموسيقى الرومانتيكية التي شاعت في القرن التاسع عشر وامتدت، في حالات قليلة، إلى أوائل القرن العشرين. وبعبارة أخرى فالتجديد هنا لا يحارب لذاته، وإنما يرحب به إذا امتزج بالتراث الموسيقي الأصيل ليكون معه مركبا ذا معنى ... أما إذا أصبح غاية في ذاته، وإذا تحول إلى تجارب صوتية لا يقصد منها إلا صك الآذان بكل ما هو غريب من الأصوات، فعندئذ يصبح الاعتراف به أمرا يثير الشك والتساؤل.
وأخيرا:
فالعبرة، كما يقولون، بالنتيجة. والنتيجة في حالة ترك الحبل على الغارب هي التخبط والتدهور والأصوات المنكرة، وفي حالة وضع بعض الحدود والقيود على الجموح المتطرف هي التقدم الذي لا ينكره أي شخص له قدر من الثقافة الموسيقية في العالم بأسره.
ولعل هذا كفيل بأن يثير في الأذهان الحاجة إلى تعديل بعض المفهومات الشائعة لمعاني الحرية والتقييد في الفن، عندما يثبت عمليا أن الحرية قد أدت إلى التدهور. وإذا كان من المسلم به أن التقييد، عندما يتطرف، يصل إلى حد خنق الفنان، وبذلك تكون له مساوئه المؤكدة، فإن المسألة التي تؤدي محنة الموسيقى الغربية المعاصرة إلى إثارتها بكل وضوح، هي أن الحرية المتطرفة قد تكون لها مساوئها أيضا - وهذه مسألة تعد هذه المحنة ذاتها مظهرا عمليا ملموسا لها.
موسيقى وآلات وضجيج1
كلنا نعرف أن الواسطة التي تستخدم في نقل الأنغام الموسيقية إلى آذان السامعين تسمى «آلة»، وأن الفرقة الموسيقية تضم عددا يقل أو يكثر من «الآلات» التي يؤدي كل منها دورا معينا في عملية النقل هذه. ومع ذلك فقد كنا، في لغتنا العربية غير موفقين على الإطلاق في اختيار اسم «الآلة» للدلالة على هذه الواسطة الموسيقية، وكان الناطقون باللغات الأجنبية أدق منا كثيرا حين عبروا عن هذا المعنى بلفظ تترجمه كلمة «الأدوات» الموسيقية؛ ذلك لأن الآلة هي قبل كل شيء جهاز أو نظام لديه القدرة على أداء وظيفته على نحو تلقائي إلى حد ما. وأهم ما يميز الآلة من الأداة أن الأولى مستقلة عن الإنسان، بينما الثانية امتداد طبيعي لقواه وقدراته الخاصة. صحيح أن استقلال الآلة عن الإنسان لا يمكن أن يكون تاما؛ لأن أدق الآلات الإلكترونية ما زالت تعتمد في إدارتها وتوجيهها على الإنسان، ومع ذلك فإن لدى الآلة قدرة ذاتية على أداء وظيفتها والسير في عملياتها بأدنى حد ممكن من تدخل الإنسان. ومن هنا كان من الخطأ الشديد استخدام اسم «الآلة» للدلالة على الواسطة الموسيقية؛ إذ إن ما نسميه بالآلة الموسيقية ليس في واقع الأمر إلا أداة تطيع الإنسان كأحسن ما تكون الطاعة، ولا تملك في ذاتها من حول ولا قوة إلا بما تمليه عليها أصابع الفنان الماهر من أوامر - صادرة بدورها عن حسه وذوقه المرهف - تلبيها «الآلة» طائعة مختارة.
وإذن فنحن حين نتحدث عن صلة الموسيقى بالآلة، لا نقصد صلتها بتلك الواسطة أو الأداة التي تحركها أنامل الإنسان كيفما شاءت، وإنما نقصد صلتها بالآلة بمعناها الصحيح؛ أعني تلك «الماكينة» الخرساء التي تملك القدرة على أداء أعمالها بنفسها مستقلة - بدرجات متفاوتة - عن الإنسان.
Неизвестная страница