Научные и социальные обсуждения
مباحث علمية واجتماعية
Жанры
وشيوخنا في العقل كالصبيان
المقالة السادسة والعشرون
الاشتراكيون
1
قرأت مقالة في الاشتراكيين، وغاية ما فهمته من الانتقاد عليهم أن شكواهم من نظام الاجتماع فارغة ومطالبهم أفرغ، وهي على ما بها من الوهن غير واضحة حتى يهتدى بها.
وقائل ذلك لم يقل لنا رأيه في نظام الاجتماع نفسه كما هو اليوم، وكما كان في الأمس. والمتبادر إلى الذهن من سياق الحديث أنه حديث في العهدين. على أن نظام الاجتماع كما هو اليوم ليس الذي كان بالأمس، فهو اليوم أصلح نوعا منه في الماضي ليس في كله، بل في بعض المجتمعات التي عليها مسحة من التمدن، ونسميها نحن متمدنة، وإلا فهناك حتى اليوم مجتمعات كثيرة يود الإنسان لو لم يكن من أعضائها.
فلماذا تغير هذا النظام ويتغير مع الأجيال من أردأ إلى رديء، ومن رديء إلى حسن بالتدريج؟ وما هو الباعث على هذا التغيير؟ وما هو كذلك شأن مثل هؤلاء الناقمين على هذا النظام في هذا التغيير، فوضويين كانوا أو اشتراكيين أو مقلقين أو مصلحين أو فلاسفة إلى دعاة الأديان أنفسهم، على اختلاف منازعهم وحسب كل عصر؟ ولعل المدقق يوافقني على أن شأنهم في ترقية الاجتماع عظيم. وليس شأنهم هذا بالنظر إلى تعاليمهم ومبلغها من الصحة والموافقة، بل بالنظر إلى موقفهم تجاه الاجتماع؛ فإن هذا وحده كاف لإيقاظه ومنعه من التقهقر، وتمهيد سبل الارتقاء له.
ولذلك كان أول خاطر يجب أن يخطر للباحث المدقق عند ذكر الناقمين ليس الطرق التي يتذرعون بها، والخطط التي يسنونها لمقاومة نظام الاجتماع؛ إذ قلما نجد حينئذ اثنين متفقين، ولا ما يخامر بعضهم من المطامع، فالنفس أمارة بالسوء، وكل مصلح إذا استبد يحتاج إلى مصلح يصلحه؛ لذلك كان وجود الضد في نظام الاجتماع من أعظم مقومات الإصلاح، وكلما اشتد الضد اشتد التنازع واشتد التغير أيضا، سنة العوالم في نشوئها، بل الخاطر الذي يجب أن يخطر له هو: لماذا هذا القلق المستحوذ على الاجتماع، والذي لا يفارقه في كل أطواره، كما يدل عليه تذمر المتذمرين وثورات الثائرين في كل العصور؟ فلا شك أن السبب هو نقص نظاماته عن توفير الراحة له، وارتقاء العمران في الأجيال يدلنا على أنه يمكن إصلاح هذا النقص.
فإلى هذا يجب أن يتجه أولا خاطر الباحث المفكر والمصلح المدبر، عندما يسمع ذكر مثل هؤلاء الناقمين لا إلى شجبهم وتقريعهم وتسفيه تعاليمهم؛ مما يوهم لأول وهلة أن الاجتماع كما هو على هدى، وهم يدفعونه إلى الضلال. وإذا انتقدناهم فللتنبيه إلى ما قد يكون أصلح لفائدة الاجتماع، ولا يجوز لنا أن نرمي مطالبهم بأنها أضغاث أحلام قبل التثبت، فكم من مثل هذه الأحلام المزعومة في الماضي صارت حقائق رائعة اليوم! ولا أن نئول تعاليمهم على غير الحق إضعافا لها، فلقد طالما قال لنا خصوم مذهب داروين إن مذهبه يعلمنا أن الإنسان متسلسل عن القرد؛ أي إن القرد نفسه سيرتقي حتى يصير يوما ما إنسانا نظيرنا. والحال أن مذهب داروين لا يعلم ذلك، بل يعلمنا أن القرد والإنسان من أصل واحد، وأن القرد أقرب الحيوانات إليه.
كذلك خصوم الفوضويين والاشتراكيين وسائر الناقمين على الهيئة الاجتماعية، يقولون لنا بعد أن يوسعوهم من التقريع واللوم إن أكثر مطالبهم أحلام يمكن تحقيقها، ويجعلون في رأس هذه المطالب اقتسام المال - والمال أحب الأشياء إلى الإنسان - يريدون بذلك أن ينفروا الناس تضليلا لهم لئلا يهتدوا فتسوء مصالحهم؛ لأن مطلب توزيع المال بالسواء لو وجد في تعاليمهم كما يريده خصومهم لدل على سخافة ما بعدها سخافة. وكيف تمكن المحافظة على هذه المساواة لو أمكن هذا الاقتسام؟
Неизвестная страница