Научные и социальные обсуждения
مباحث علمية واجتماعية
Жанры
كتاب فوضوي
1
حكم «جوري» محكمة السين بباريس على الفوضوي أتيفان بالإعدام لمحاولته قتل اثنين من رجال الحفظ. وأتيفان المذكور هو فيما نعلم أول فوضوي متعلم واسع الاطلاع بعيد النظر الفلسفي، حاول ارتكاب الجناية بنفسه، كما يظهر من الكتاب الآتي الذي كتبه إلى أحد أصدقائه بعد القبض عليه بأيام قليلة. وفي نظرنا أن المحكمة ارتكبت جناية في حكمها عليه بالإعدام، كما يتضح من تدقيق النظر في الكتاب المذكور. ولو كانت أدق نظرا في الأمور وأوسع اطلاعا في علم الأخلاق، لوجدت لها مخرجا يحفظ الرجل، ويصلح ما به من الضعف للانتفاع بما به من القوة، ولكن الجوري كما أن له حسنات في حل قيود القانون له سيئات في أن رءوس أكثر أعضائه غالبا فارغة من الأفكار السامية، وفي أن أحكامه متناهية تتناول أحد الطرفين ، وليس فيها شيء من أحكام القانون التي بين بين، والكتاب هو معربا:
باريس، في 30 يناير سنة 98
صاحبي العزيز،
أخذت كتابك الذي تخبرني به عن اضطرارك إلى تغيير عنوانك، وأشكرك على زيارتك لوالدي؛ فقد أخبرني أن زيارتك وزيارة باقي الأصدقاء كانت أعظم معز لقلبه في وسط أحزانه.
تقول إن الفياري مصيب. وأنا لا أنكر أن في كتابه في «الحكومات الظالمة» أفكارا كثيرة جليلة، إلا أنه ليس بينها فيما أذكر سوى فكر واحد صحيح، وهو قوله: «إن الخطر من القول أو الفعل سواء في عصره وفي الحكومات الظالمة.» على أن هذا الرجل المتعشق للعدل، نظير سائر فلاسفة عصره، ربما كان يستقبح وجود أناس متهالكين في سبيل الحرية، مع أنه كان يدعوهم، ولكن الذي لا أقدر أن أسلم به قوله إن اليونان والرومانيين كانوا بالحقيقة رجالا. وهم لم يكونوا رجالا أكثر من معاصري الفياري، ولا أكثر من رجال هذا العصر.
والثورة الفرنساوية التي بلغت فيها المنازعات لأجل الحرية السياسية مبلغ جميع منازعات العصور القديمة، بل فاقتها بعظمتها، دليل واضح على ما أقول. وهب أنه لم يقل ذلك إلا عن اليونان في غزوتها مقدونيا، وعن الرومانيين في عهد الجمهورية؛ فإنه مخطئ فيما يقول.
وبالحقيقة فإن الفياري، كسائر فلاسفة عصره، كان يسير نحو المستقبل، وعيناه متجهتان إلى الماضي. والإنسان الذي يمشي على هذه الكيفية قد يتقدم، وإنما تقدمه يكون صدفة لا يعرف إلى أين يسير، هل يسقط في حفرة أم لا؟ فهو لا يدري إذا كان يمشي إلى الأمام أم يدور على نفسه، ولا يدري حتى يعود من حيث أتى.
وهذا عين الذي تم في الثورة؛ فإن الثورة لوقوع ذمامها في أيدي أناس كانت أنظارهم شاخصة إلى بلاد اليونان وروما كان يقتضي أن تفسد؛ فإن جميع الذين تقدموها كانوا مغرمين بالقدماء. ألم يصرخ سان يوسف من أعلى المنبر قائلا: «العالم خال من أيام الرومانيين، ونابليون إنما أتى ليملأه بإرجاعه ملكهم.» والفياري كان مولعا بالحرية القديمة كالآخرين، وإن كنت تريد أن تعرف ماذا كانت تلك الحرية فاسأل أسرى السبرطيين.
Неизвестная страница