Научные и социальные обсуждения
مباحث علمية واجتماعية
Жанры
أولا:
أن ارتباط أعضاء الجسم الاجتماعي بعضها ببعض على الصورة التي ذكرنا يجعل التأثير الواقع على العضو الواحد يمتد ضرورة إلى سائر الأعضاء. فالشارع كالطبيب يلزمه أن يكون حكيما في مداواة علل الجسم الاجتماعي؛ لئلا يداوي علة في عضو فيحدث علة في عضو آخر. فالالتفات إلى طائفة من الناس وترك ما سواها ينمي الملتفت إليها جدا ويضعف المتروكة، فتفقد النسبة بين أعضاء الاجتماع؛ إذ تصبح فيه على طرفي الضعف والقوة فيختل نظامه، ويئول به الحال إلى السقوط والاضمحلال.
ثانيا:
إذا كانت الاجتماعات أجساما طبيعية لا صناعية، وكان الاجتماع نفسه حاصلا لزوما لا عارضا؛ أفلا يستدل من ذلك على ما يكون من سوء العقبى للإصلاحات العنيفة الجارية على غير المجرى الطبيعي؛ أي الناشئة عن غير تغير الإرادة العامة تغيرا ذاتيا؟ فالحي لا يستطيع أن يحتمل تغييرا مهما ما لم يكن هذا التغيير موافقا لأميال أعضائه غير مختلف عن طبيعته. ولقد تقدم أن الاجتماع حي متراض؛ أعني أن الذي يجمع أعضاءه ويربطها بعضها ببعض ليس الملاصقة البسيطة، وإنما هو الرابط الإرادي. وهو بمثابة الرابط الميكانيكي؛ لأنه يوجد رابط عقلي بين أهل المدنية، وهو بمثابة الرابط الميكانيكي بين الكريات؛ ولذلك وجب أن يكون التغيير الحاصل في الاجتماع موافقا لإرادة الجمهور أو للقسم الأكبر منه. والإصلاح الملقى على عاتق الاجتماع، ولا يقصد منه إلا خير البعض، أو هو ناشئ عن إرادة البعض فقط، إنما هو إصلاح صناعي أو قسري؛ أي غير طبيعي، جيء به قبل وقته، ويخشى من عواقبه. وبالضد من ذلك، كل إصلاح جزئي أو كلي ناشئ عن التراضي والاتفاق بين كثيرين أو بين الكل، فهو إصلاح طبيعي قانوني. والفرق بين الطبيعي والصناعي ظاهر كالصبح؛ الأول موافق للطبيعة والثاني مضاد لها. وبما أن الإنسان طبيعي في الأصل كان كل ما يسير به على غير المجرى الطبيعي غير نافع له، بل مضر به؛ فسياسة الاجتماعات العاقلة ينبغي أن تكون طبيعية لكي تكون نافعة؛ أي يلزم أن تكون موافقة لإرادة الجمهور ولميله، وإلا لم تحمد عائدتها؛ لأن الأمر الجاري مجرى لا يوافق إرادة أعضاء الاجتماع إنما هو جار على غير وفق الإرادة الحيوية التي هي الرابط للجسم السياسي.
ثم لما كان إجماع الإرادات في العمران على أمر غير ممكن غالبا، وكان القسم الأكبر يبقى معه عدد قليل من الناس غير موافق له؛ كان لنا من ذلك قاعدة ثالثة في السياسة، وهي ضرورة التدرج في الانتقال من حال إلى حال، بحيث لا تكون المباينة بين القديم والحديث والحاضر والمستقبل كلية، وإلا اعترض الانتقال موانع لا تقاوم ولا تحمد معها النتيجة. وتشتد الحاجة إلى هذا التدرج كلما كانت النتائج الجامعة للإرادات السابقة كالعوائد والاعتقادات أشد وأرسخ. والحاصل أنه يصعب جدا في جسم كبير كالحيوان الاجتماعي تغيير الجسم كله دفعة واحدة؛ للزوم استعداده إلى الأحوال الجديدة بتوفيقه لها شيئا فشيئا. قال سبنسر: «إن الضرر الذي يلحق بالاجتماع من نزع شرائعه القديمة قبل إحكام شرائعه الجديدة حتى تصلح لأن تقوم مقامها، ليس أقل من الضرر الذي يلحق بحيوان من جنس ما يعيش بين الماء واليابسة إذا نزعت خياشيمه قبل أن تكمل رئتاه. فالنتيجة الكبرى المتحصلة من فيسيولوجيا الاجتماعات إنما هي تفضيل النشوء على الثورة. وأعظم وسائط الارتقاء بالنشوء إنما هو الاتفاق الذي لا يقرر شيئا إلا تدريجا، وبعد أن يتم التراضي عليه.» •••
ولا ينبغي أن يفهم من ذلك أن الثورات مضرة في جميع الأحوال، كما يزعم بعض المؤرخين؛ لأنه توجد أحوال خاصة لا يمكن تخلص الجسم المتواني والمريض فيها إلا بثورة فيسيولوجية كبحران مثلا، أو نوبة حمى تخلصه من خطر الموت. وهذا يدلنا على أن الاجتماع لا بد له في بعض الأحوال من ثورة تخلصه من خطر الهلاك. ويلزم أن تكون الثورة صادرة عن استعداد باطن، كأنها اتفاق خفي بين أعضائه موافقة لأمياله؛ أي أن تكون عبارة عن صوت الشعب لكي تكون قانونية، وإلا انقلبت شرا عليه. والثورة التي تكون كذلك هي ثورة لا تغلب ولا تقاوم؛ لأنها ليست من أفعال الآحاد، بل هي عبارة عن تخلص الجسم كله مما ثقلت وطأته عليه تخلصا طبيعيا قانونيا؛
2
لأنها ليست بالحقيقة سوى فعل سريع لقوى متجمعة تجمعا بطيئا في زمن طويل، أشبه شيء بالزوبعة التي تتجمع في سنين كثيرة ولا تثور إلا في يوم واحد، ثم تهجع؛ ولذلك يقال إن النشوء هو القاعدة، وأما الثورة فأمر شاذ رديء غالبا، وإن كان قانونيا نافعا أحيانا. •••
فيرى مما تقدم أن كلا من نصراء الثورة والمحافظين يجد في التاريخ الطبيعي سندا لمذهبه، واتفاقهما إنما هو في الحرية، والحرية نتيجة لازمة متحصلة للسياسة من علم الحياة. فأهل الاستبداد الذين يعتمدون على العنف والقوة لا شك أنهم يجهلون الصفة الحية للاجتماع، ويعدونه كآلة مصطنعة، ويتصورون النظام الاجتماعي كالنظام المادي غير الحي. ففي الآلات المصطنعة غير الحية لا تجتمع الأجزاء بعضها إلى بعض إلا بقوة خارجة عنها غير مستقرة فيها، تحفظها ساكنة أو تحركها، والوحدة الظاهرة فيها آتية من الصانع، وهي في الصورة فقط لا في الحقيقة؛ فإن طبيعة العناصر فيها لم تتغير، فالخشب يبقى خشبا والحديد حديدا، والأجزاء المختلفة لا تتمم العمل المطلوب إلا قهرا بسلسلة أفعال قهرية، وكل جزء ميال من نفسه لإبطال فعل الآخر، وإذا كان بينها تعاون أو ظاهر اتفاق فإنما هو على ضد طبيعتها ولا يدوم. وكل نظام ملقى قهرا غير مرتضى به لا بد من أن يختل، وهو تضام الأشياء المادية لا الحية، والسلام الظاهر والحالة هذه أشبه شيء بسلام مدينة دخلها العدو؛ فإنه لا يدوم إلا ما دامت القوة المثقلة على حركاتها المخمدة لأنفاسها متغلبة عليها. فالرابط الذي يربط الاجتماع لا يتم نظامه بالاستبداد والقوة وإن قام بهما أحيانا؛ لأنهما ليسا من جوهر طبيعته، بل هما دليل على عدم كماله. وفي الجملة فحينما يبتدئ الاستبداد والقوة ينتهي الاجتماع الحقيقي بين البشر، والاجتماع البشري لا يقوم حقيقة إلا بالشوق الغريزي، ولا يكمل إلا بالتراضي والاتفاق. فبذلك يتم النظام الاجتماعي لا بسواه؛ إذ تكون القوة المدبرة مستقرة في كل عضو من أعضائه، بحيث يشتغل لنفسه ولسواه معا من ذاته وفي آن واحد. •••
ولننظر الآن إلى سياسة الطبيعة في الأحياء ونقابلها بسياسة الاجتماعات؛ لعلنا نستنتج فوائد سياسية من ذلك. فاعلم أن في الحي كما في الجسم الاجتماعي أفعالا متروكة لعهدة كل شخص، وغيرها متروك لعهدة مراكز ثانوية أو جمعيات خصوصية، وغيرها لعهدة المركز الأعظم القائم مقام الجسم كله. فأولا: الحي يترك كل كرية من الكريات المؤلف منها تشتغل لذاتها تحت سلطان القوى المستقرة فيها. والعامل في هذه القوى مرجعه كما تقدم إلى أمرين: المنفعة والشوق. فكل كرية تحس بنفسها وبجارتها بالشوق الكائن فيها إليها، بحيث تصير مصلحة جارتها عندها كمصلحتها. ثم تجتمع الكريات وتتألف باشتراك المنفعة والشوق، وتتبادل الغذاء والحركات. وذلك أشبه شيء بالمبادلة التي تقع بين البشر، والحاصلة فيهم بدون تداخل القوة المركزية، أي الحكومة، بناء على ما فيهم من الأميال، وما لهم من المنافع المشتركة لا لعلة أخرى.
Неизвестная страница