Научные и социальные обсуждения

Шибли Шумейиль d. 1335 AH
135

Научные и социальные обсуждения

مباحث علمية واجتماعية

Жанры

وبالنظر إلى ذلك كانت الجرائد كثيرة النفع كثيرة الضرر أيضا، بحسب الخطة التي تسير عليها واللهجة التي تنطق بها. فتكون كثيرة النفع إذا سلكت طرق التنبيه إلى مواضع الخلل، والإرشاد إلى سبل الإصلاح، وبث المبادئ الصادقة بين الجماهير بلغة لا تنحط في الالتماس إلى التذلل، ولا ترتفع في الطلب إلى المخاشنة والضد بالضد. وما من أحد من أصحاب الجرائد الشرقية يجهل ذلك، بل كل جريدة تصدر تبدأ ببيان خطتها والغاية التي تنويها في مقدمة تضمنها من المبادئ العامة ما يرتاح إليه كل عاقل، ويرجو الخير منه كل قارئ، ولكنك إذا تعقبت هذه الجريدة في مستقبل الزمان وجدت أن سلوكها في الجزئيات لا ينطبق على مقدماتها في الكليات، وإذا خلوت بأصحابها قالوا لك: ما العمل؟ فنحن إنما نعيش في مجتمع يصدق عليه قول المعري:

إذا قلت المحال رفعت صوتي

وإن قلت الصحيح أطلت همسي

فنحن إنما نفعل ذلك مضطرين؛ لأنا إذا صدقنا أغضبنا، فنضطر إلى المداجاة أحيانا، وإلى المجافاة أحيانا أخرى، وإلا جفت موارد جريدتنا، وثروتنا التي هي غالبا مجموع أرقام سلبية لا تساعدنا على الاستقلال. وما تعود أهل الشرق في مثل هذه المشروعات التعاون على جمع رأس المال، وهو عار يلحق بأصحاب الجرائد، وإن لم يبرأ منه سواهم، فالحق يقال إن السبب هو في عموم الهيئة الاجتماعية نفسها، فنحن معاشر الشرقيين ما زلنا أطفالا في سلم حياة المجتمع الإنساني، والأطفال لا يؤخذون بمآخذ الرجال، ولا يؤخذون إلا بالترغيب أو الإرهاب، وإلا نفروا منك ولم ينقادوا إليك، وكما تكونون يولى عليكم. وهذا هو السبب الذي لأجله اضطرت أكثر الجرائد المهمة بعد أن قصدت أن تسلك مسلك الاعتدال أن تنحاز إلى أحد الطرفين، وتقسم جرائدها إلى جرائد «فرشة» وجرائد «قمشة»، فمن لم تستطع أن تأخذه بعصا موسى شهرت عليه عصا فرعون، ولكن ضعفت بذلك ضرورة خدمتها العامة، وقويت مطامعها الخاصة. ولا يخفى ما لذلك من الأثر السيئ على الجموع؛ لما لها عليهم من السلطة في تحويل الأفكار.

أقول ذلك عن جرائد مصر المعول عليها، ولا أدمج في سلكها تلك الوريقات البذيئة التي لم توجد إلا لنشر المثالب الصبيانية من دون تعقل، والتي تقضي على الحكومة بأن يكون لها قلم مطبوعات يردع مثل هؤلاء المتطفلين على الصحافة، وليس عندهم أقل رأس مال علمي أو أدبي. وأغفل كذلك ذكر الجرائد العثمانية، أي التي تطبع في الممالك العثمانية؛ فإن هذه الجرائد لا يذكرها عاقل إلا لشجبها والقضاء عليها، لا لأنها ليس لها أدنى منفعة، بل لأنها مضرة وأي ضرر؛ إذ لا شأن لها إلا التمويه والتمليق والتضليل والتغرير. وإني أقسم بكل عظيم لو كنت ناظرا للمطبوعات في الممالك المذكورة، وكان لي بعض السلطة؛ لجمعت هذه الجرائد أكداسا وأحرقتها على مشهد من العموم، وكبلت أصحابها بالحديد، وألقيتهم في السجون إلى يوم يتوسدون تربهم، ويقابلون ربهم، ويجاوبون عن كذبهم.

وكأني بك أيها البصير قد شعرت بصعوبة الخطة وحرج المركز؛ لأن الخطة التي وعدت أنك تسير عليها، وهي خطة الاعتدال، صعبة جدا في مجتمع مثل المجتمع الذي يسير فيه أهل الشرق؛ إذا مدحت لم ترض ممدوحا لأنك لم تبالغ بمدحه، وإذا انتقدت عد انتقادك ذما، فأغضبت في الحالين.

وكأنك علمت أن خطة كهذه لا تنجح إلا في مجتمع بلغ من المدنية والاختبار والتعقل مبلغا يضعف معه سلطان الأفراد، ويقوى سلطان المجموع، فيغلب فيه العقل على الهوى، حتى يقوى على احتمال الانتقاد، ولا يسكر بخمرة المدح، فتقوى أعصابه حتى لا ترجها رجة الغضب، ولا تهزها هزة الطرب.

على أن ما لا ينال كله لا يترك جله، وإني أرى أن المثابرة على خطتك أولى، ونتيجتها للبلاد أنفع، ولو اعترضتها صعوبات شتى لا يجهلها من كان في مركزك؛ لما للجرائد من السطوة على الأفكار وتحويل مجراها، وإنما ينبغي عليك أن توفي خطتك حقها كما وعدتنا في مقدمتك البليغة، وأن تقول الحق ولو عليك، ولا تميل مع الهوى، وأن تجتنب المحاباة والمداجاة، وخصوصا أن تجتنب التذبذب؛ لأني أراك ك «بالع الموسى»، أو كالضفدع في الماء.

قالت الضفدع قولا

فسرته الحكماء

Неизвестная страница