مع المشككين في السنة
مع المشككين في السنة
Исследователь
فاروق يحيى محمد الحاج
Жанры
المبحث السادس
حفظ السنة في الجملة
لقد تكفل الله تعالى بحفظ القرآن الكريم من أن تمتد إليه يد التحريف بزيادة أو نقصان، وتولّى سبحانه حفظه، ولم يكل ذلك إلى أحد سواه، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)﴾ [الحجر:٩].
ولما كان هذا القرآن الكريم يشتمل على أحكام وفرائض وحدود وأوامر ونواه مجملة ومطلقة وعامة ومبهمة فقد أوجب الله تعالى على رسوله ﷺ تبيينها وتوضيحها للناس؛ حتى لا يلتبس عليهم دينهم وكتاب ربهم، فقام ﷺ بذلك أحسن قيام، وذلك فيما يعرف بين المسلمين بـ"السنة".
وعلى هذا الاعتبار فلم يكن من المجازفة القول: إن من تمام حفظ القرآن حفظ السنة كذلك؛ لأنه لا يعبد الله حق عبادته بدونها، ولا يعبد كما شرع - جل وعلا -. ولأجل هذا فقط حفظ الله تعالى سنة نبيه ﷺ في الجملة، وذلك من خلال تسخيره لها رجالًا يحفظونها في صدورهم وكتبهم، وينفون عنها تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين.
طُرق حفظ السنة النبوية:
يمكن أن تُجمل العوامل التي حُفظت بها السنة في الآتي:
أولًا: الكتابة:
وتعني: كتابة الحديث وجمعه لا على سبيل الاستقصاء والتبويب.
وقد ابتدأت كتابة السنة في عهد النبي ﷺ (^١)، وأشهر من كان يكتب الحديث في هذا العهد: عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄، ويدل لذلك:
١ - عن عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ قال: (كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟ فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ: اكْتُبْ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ) (^٢).
٢ - عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ﵁ قال: «مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ» (^٣).
(^١) وقد أحصى الدكتور محمد مصطفى الأعظمي الصحابة الذين كتبوا عن النبي ﷺ الحديث فبلغوا اثنين وخمسين صحابيًا ﵃. انظر: دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه للدكتور/ محمد مصطفى الأعظمي (٢/ ٩٢ - ١٤٢). (^٢) مسند أحمد وسنن أبي داود، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود. وقد تقدم. (^٣) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم (١/ ٣٤)، رقم (١١٣).
1 / 38