252

مع المشككين في السنة

مع المشككين في السنة

Редактор

فاروق يحيى محمد الحاج

Жанры

ولكنه مرض القلب الذي أعمى صاحبنا عن الحق، فجعله يتخبط كالضال الذي لا يعرف أين وجهته. وإنما معنى كلامه ﵁ كما قال ابن حجر: إنه «يشق عليه إملاء الكتاب أو مباشرة الكتابة. وكأن عمر ﵁ فهم من ذلك أنه يقتضي التطويل» (^١).
وقال الخطابي: «ولا يجوز أن يحمل قول عمر على أنه توهم الغلط على رسول الله ﷺ، أو ظن به غير ذلك مما لا يليق به بحال، لكنه لما رأى ما غلب على رسول الله ﷺ من الوجع وقرب الوفاة مع ما اعتراه من الكرب خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة له فيه، فتجد (^٢) المنافقون بذلك سبيلًا إلى الكلام في الدين» (^٣).
وقال النووي: «وأما كلام عمر ﵁ فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره» (^٤).
وقال أبو بكر البيهقي: «وإنما قصد عمر بن الخطاب ﵁ بما قال التخفيف على رسول الله ﷺ حين رآه قد غلب عليه الوجع» (^٥).
خامسًا: ومع وقوف صاحب الرسالة على هذه المعاني الحقّة لكلام عمر ﵁ إلا أنه لم يتوقف عن كيل الاتهامات له، حيث أكد بأن قول القائلين: (مَا شَأْنُهُ، أَهَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ) هو القائل له؛ مستدلًا على ذلك بأن الرواية الأولى قد أوضحت ذلك (^٦). وليس هذا الاتهام بصحيح، ويعوزه الدليل الصريح. بل الأدلة تدل على خلاف ذلك، وهذه الأدلة هي:
١ - صيغة الجمع في لفظة: (قَالُوا) تدلُّ على أن المتكلم بذلك أكثر من واحد. ولا يقل قائل: إنه قد يقصد بها التعظيم؛ لأن من يعرف الصحابة ﵃ وتواضعهم يعلم يقينًا أنهم أبعد النَّاس عن تعظيم أنفسهم.
٢ - أن عمر ﵁ لم يكن في البيت وحده، بل كان معه رجال آخرون.
٣ - أنه لم ينسب أحد من شراح الحديث هذا القول إليه ﵁، بل جميعهم متفقون على إبهام القائل، وأنه غير عمر ﵁.
ورجَّح ابن حجر أن «يكون قائل ذلك بعض من قرب دخوله في الإسلام» (^٧).
والعجب من حال دعيّ العلم هذا تناقضه الشديد واضطرابه في الحكم على أحاديث الصحيحين! مما يؤكد وهن استدلالاته وخطأ مقولاته، فبينما نراه في هذا الحديث يؤكد على نسبة هذه الأقوال إلى عمر ﵁ مما يعني اعترافًا ضمنيًا منه بصحة الحديث إذا بنا نراه في آخر البحث يرفضه ولا يقبله، مدعيًا بأن كتاب البخاري ليس قرآنًا منزَّلًا لا يمكن ردّه. ولستُ

(^١) فتح الباري لابن حجر (١/ ٢٠٨).
(^٢) كذا في شرح صحيح مسلم للنووي، ولعل الصواب: فيجد.
(^٣) شرح صحيح مسلم للنووي (١١/ ٩١). وانظر نص كلام الخطابي في: أعلام الحديث "شرح صحيح البخاري" للخطابي (١/ ٢٢٣ - ٢٢٤).
(^٤) شرح صحيح مسلم للنووي (١١/ ٩٠).
(^٥) دلائل النبوة للبيهقي (٧/ ١٨٤).
(^٦) أي: قول عمر ﵁: (إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ غَلَبَهُ الوَجَعُ، وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا).
(^٧) فتح الباري لابن حجر (٨/ ١٣٣).

1 / 251