За пределами религий: Этика для всего мира
ما وراء الأديان: أخلاقيات لعالم كامل
Жанры
يتضح اعتمادنا على الآخرين بأكبر درجة في مرحلة الطفولة، لكنه لا ينتهي عندها. فكلما واجهنا صعوبات في الحياة، لجأنا إلى الآخرين للحصول على الدعم. عندما نمرض، على سبيل المثال، نذهب إلى الطبيب. وعلى مدار حياتنا بأكملها، تستفيد حتى صحتنا البدنية من مشاعر المودة والدفء البشرية البسيطة. إن التعافي من المرض في حد ذاته لا يقتصر على تلقي العلاج الطبي المناسب أو وضع المواد الكيميائية المناسبة في مجرى دمائنا، بل يعتمد أيضا إلى حد كبير على الرعاية البشرية التي نتلقاها.
تعززت هذه الفكرة لدي مؤخرا عندما خضعت لعملية جراحية في دلهي لإزالة المرارة. كان من المفترض أن تكون عملية جراحية بسيطة، لكن حدثت بعض المضاعفات، وما كان ينبغي أن يستغرق عشرين دقيقة قد استغرق أربع ساعات، واضطررت إلى قضاء بضعة أيام للتعافي في المستشفى. ومن حسن الحظ أن الأطباء والممرضات هناك كانوا طيبين وعطوفين معي للغاية، وأتذكر الكثير من الفرح والضحك. فلا يساورني كثير من الشك في أن بيئة الدفء الإنساني والسعادة التي ساهموا في خلقها ساعدت في التعجيل بشفائي.
نحن نعتمد أيضا بشكل كبير على دفء مشاعر الآخرين وعطفهم عندما نصل إلى نهاية حياتنا. كم هو من الأفضل كثيرا أن نخرج من هذا العالم محاطين بالحب والعاطفة وفي بيئة من السلام والسعادة، عن أن نكون محاطين باللامبالاة أو العداء وفي بيئة من النزاع والاستياء! من وجهة نظر عقلانية بحتة، ينبغي ألا نكترث لمشاعر الآخرين تجاهنا عندما نكون على وشك الموت؛ إذ لا يمكن لمواقفهم أن تؤثر فينا عندما نرحل. لكننا في الحقيقة نهتم بالأمر كثيرا. فعند لحظة الموت، تهمنا النوايا الحسنة للآخرين على نحو كبير. وهذه ببساطة إحدى حقائق الطبيعة البشرية.
ليس البشر وحيدين بالطبع في هذا الاعتماد على دفء مشاعر الآخرين ومودتهم. ذلك أن الدراسات العلمية تسفر عن استنتاجات مماثلة فيما يتعلق بالثدييات الأخرى المختلفة التي تحتاج أيضا إلى فترة التنشئة. على سبيل المثال، سمعت مؤخرا عرضا تقديميا لبعض العلماء بشأن سلوك القردة. وقد لاحظوا أن القرود الصغيرة التي عاشت مع أمهاتها كانت في الغالب أكثر مرحا وأقل مشاكسة من تلك التي انفصلت عن أمهاتها عند الولادة. فقد أظهرت تلك التي انفصلت عن أمهاتها سلوكا عدوانيا؛ مما يشير إلى أنها مضطربة عاطفيا وتفتقر إلى الشعور الداخلي بالأمان. وأظهرت دراسة أخرى دور العناية بالتنظيف في التطور البدني المبكر للفئران. فحتى الفئران التي جرت تربيتها خصيصا لتكون قلقة، قد أظهرت استجابة إيجابية لسلوك اللعق بغرض التنظيف، وانحسر سلوكها القلق تدريجيا تحت تأثير هذا الاهتمام. لقد تمكن العلماء أيضا من تتبع التغيرات الجسدية في أدمغة هذه الحيوانات التعسة، وأوضحوا أن التنظيف قد أطلق بالفعل مواد كيميائية مهدئة في الدماغ وخفض من مستويات هرمونات التوتر في الجسم.
لا أقصد من هذا كله أن أقترح أن رفاهيتنا سلبية تماما أو تعتمد على الطريقة التي يعاملنا بها الآخرون. فالأهم حتى مما نتلقاه من دفء ومودة هو ما نمنحه للآخرين من دفء ومودة. فمن خلال تقديم الدفء والعاطفة، ومن خلال الاهتمام الحقيقي بالآخرين؛ بعبارة أخرى، من خلال الرأفة، نصل إلى شروط تحقيق السعادة الحقيقية. ولهذا السبب، فإن منح المحبة أهم حتى من أن يكون المرء محبوبا.
الكثيرون من الناس يفترضون خطأ أن الرأفة ممارسة دينية. وليس ذلك بصحيح. فبالرغم من أن الرأفة جوهرية في التعاليم الأخلاقية لجميع التقاليد الدينية الكبرى، لكنها ليست قيمة دينية في حد ذاتها. فالكثير من الحيوانات تدركها وتقدرها مثلما قلت، وتمتلك الثدييات القدرة على ممارستها بالطبع.
يفترض الكثير من الناس أيضا أن الشعور بالتعاطف مع الآخرين هو أمر جيد للآخرين فقط وليس لأنفسهم. وهذا أيضا غير صحيح. ذلك أن مسألة ما إذا كانت طيبتنا ستجلب النفع للآخرين أم لا، تعتمد على العديد من العوامل التي سيكون بعضها خارج نطاق سيطرتنا. لكن سواء أنجحنا في تحقيق النفع للآخرين أم لا، فإن المستفيد الأول من ذلك التعاطف هو أنفسنا دائما. عندما تنشأ فينا الرأفة أو الدفء ويتحول تركيزنا بعيدا عن مصلحتنا الذاتية الضيقة، فإن الأمر يغدو وكأننا فتحنا بابا داخليا. تقلل الرأفة من خوفنا، وتعزز ثقتنا، وتجلب لنا قوة داخلية. وبتقليلها لانعدام الثقة، تجعلنا منفتحين على الآخرين وتجلب لنا إحساسا بالتواصل معهم وشعورا بوجود هدف في الحياة ومغزى منها. ثم إن الرأفة تمنحنا أيضا هدنة من الصعوبات التي تواجهنا.
منذ وقت مضى، في أثناء زيارتي لبود جايا، وهو موقع حج بوذي مهم في الهند، أصبت بعدوى شديدة في الجهاز الهضمي. كان الألم شديدا لدرجة أنني اضطررت لإلغاء سلسلة التعاليم بأكملها التي كان من المقرر أن ألقيها هناك. شعرت بالأسف الشديد لإحباط آلاف الأشخاص الذين سافروا من أجل الحضور، وكثير منهم من أماكن بعيدة. غير أنني اضطررت للذهاب إلى المستشفى بشكل عاجل. وكان هذا يعني مروري بالسيارة عبر أفقر المناطق الريفية في الهند.
كان الألم يعتصر بطني. وفي كل مرة تهتز فيها السيارة على الطريق، كنت أشعر بأن الألم يغمرني. وعندما نظرت من نافذة السيارة، رأيت مشاهد من الفقر المستشري. رأيت أطفالا يعانون نقص التغذية يركضون عراة في التراب. ولمحت رجلا عجوزا للغاية يرقد على سرير نقال بالقرب من الطريق. بدا وحيدا وليس لديه من يعتني به. وبينما استمرت السيارة في طريقها، لم أستطع التوقف عن التفكير في مأساة الفقر والمعاناة الإنسانية. وقد لاحظت بعد ذلك أنه عندما تحولت أفكاري من معاناتي إلى التأمل في مصاعب الآخرين، هدأ ألمي.
إن الملاحظة المتمثلة في أن اهتمامنا بالآخرين يسهم في تحقيق رفاهيتنا لها أيضا ما يدعمها من الأبحاث العلمية. ذلك حيث توجد الآن أدلة علمية متزايدة على أن الحب والطيبة والثقة وما يشبهها من المشاعر، لا تعود بالفوائد النفسية فحسب، بل تعود أيضا بفوائد ملحوظة على الصحة البدنية. إنني أعرف دراسة حديثة تبين أن تحري تنمية الحب والرأفة يمكن أن يؤثر حتى في حمضنا النووي نفسه. وقد لوحظ هذا التأثير في أجزاء حمضنا النووي المعروفة باسم «التيلوميرات»، التي تربط العلوم الطبية بينها وبين عملية التقدم في العمر.
Неизвестная страница