За пределами религий: Этика для всего мира
ما وراء الأديان: أخلاقيات لعالم كامل
Жанры
إن الأبحاث الحديثة في مجال العلوم الاجتماعية لم توضح أن الفوائد النفسية للثروة هي أمر مؤقت فحسب، بل أوضحت أيضا أن المستوى العام للرضا في المجتمع عندما تكون الثروة موزعة بالتساوي بين السكان يكون أكبر مما هو عليه عندما تكون هناك فوارق كبيرة بين الأغنياء والفقراء. ومرة أخرى يشير هذا إلى أنه لا يمكن قياس الرفاهية بأسس مادية موضوعية؛ إذ يعتمد على مجموعة من العوامل السياقية التي تؤثر على الموقف النفسي للفرد تجاه علاقتنا بتلك الثروة. •••
وماذا عن الصحة؟ هل الصحة مصدر للرفاهية؟ لا شك أنها هي أيضا كذلك. فمثلما اختبر معظمنا بنفسه، عندما نشعر بألم مستمر أو انزعاج، فقد يصبح حفاظنا على السلوك الإيجابي أمرا شديد الصعوبة. ولذلك، فالاعتناء بصحتنا البدنية أمر بالغ الأهمية. علينا أن نأكل جيدا، وأن ننام جيدا، وأن نمارس بعض التمارين. وإذا مرضنا، فيجب أن نستشير طبيبا مؤهلا مناسبا وأن نتبع العلاج الموصوف. وهذا جانب واضح من الأمر . ومع ذلك، إذا نظرنا إلى الصحة بوصفها أمرا بدنيا خالصا، ولم نهتم إلا بحالة أجسامنا وأهملنا ما سوى ذلك من العوامل النفسية والعاطفية، فإننا نكون مخطئين. ذلك أنه لا يوجد ارتباط ضروري أو مباشر بين الاستمتاع بصحة بدنية جيدة وبين السعادة. فبالرغم من كل شيء، أليس ممكنا لشخص يتمتع بجسم سليم وقوي أن يكون غير سعيد؟ الحق أنه أمر شائع للغاية. وهل يكون من غير الممكن بالقدر نفسه أيضا أن يشعر شخص يعاني صحة ضعيفة، بل سيئة للغاية، بالسعادة؟ أنا واثق من إمكانية حدوث هذا. هل ذلك الضعف البدني الذي يصيب العجائز على سبيل المثال، ينطوي بالضرورة على التعاسة؟ بالطبع لا! ولذا، على الرغم من أن الصحة البدنية تسهم بالتأكيد في سعادة الإنسان، فهي ليست مصدرها المطلق. أما المصدر الحقيقي للسعادة، فنؤكد مرة أخرى أنه يتعلق بحالتنا النفسية، ونظرتنا، ودوافعنا، ومستوى مودتنا تجاه الآخرين. •••
والآن لنتناول الصداقة. مما لا شك فيه أن وجود دائرة قريبة من الأصدقاء؛ الأشخاص الذين يمكننا قضاء الوقت معهم وتبادل الخبرات، أمر مهم للغاية. ونظرا لأننا حيوانات اجتماعية، تشكل علاقاتنا مع الآخرين جزءا أساسيا في تحقيقنا للرفاهية. بالرغم من ذلك، علينا أن نفكر مليا فيما يميز الصداقة الحقيقية عن العلاقات السطحية التي لا تجلب سوى المنافع الاجتماعية السطحية. لا شك أن المال والمكانة الاجتماعية والمظهر، كلها من الأمور التي تجلب معها قدرا كبيرا من الاهتمام في المجتمع البشري. لكن ما الهدف الحقيقي لهذا الاهتمام؟ أيمكن ألا يكون هؤلاء الأشخاص أصدقاء حقيقيين لنا بل أصدقاء لأموالنا، أو مكانتنا، أو مظهرنا الجيد؟ وإن كان الأمر كذلك، فماذا سيحدث إذا انحسر معين ثرواتنا أو نضب؟ ماذا لو فقدنا مظهرنا الجيد أو أموالنا؟ هل سيظل هؤلاء الأصدقاء موجودين عندما نحتاج إليهم، أم أنهم سيتلاشون من حياتنا؟ مكمن الخطر أن هؤلاء الأصدقاء سيختفون سريعا.
من الجلي أن الصداقة الحقيقية لا تقوم إلا على الثقة والمودة، ولا يمكن أن تنشأ إلا على أساس من الشعور المتبادل بالاهتمام والاحترام. ومن ثم؛ فإن مشاعر الثقة والحنان الناشئ عن الحب، التي تقاوم مشاعر العزلة أو الوحدة، لا تنبع من مجرد الوجود الخارجي للآخرين أو من المظهر الخارجي للصداقة، بل مما يبديه الشخص نفسه من الاهتمام والاحترام تجاه الآخرين. إن مصدرها الجوهري يكمن بداخلنا.
خلال إحدى زيارتي إلى إسبانيا منذ عدة سنوات، التقيت راهبا مسيحيا قضى خمس سنوات يعيش ناسكا في صومعته. سألته عما كان يفعله خلال كل هذه الفترة. فأجاب أنه كان يتأمل في الحب. عندما قال هذا، بلغة إنجليزية أضعف حتى من لغتي، رأيت عمق المشاعر في عينيه حتى إنه لم يكن يحتاج إلى قول أي شيء أكثر من ذلك. إنه مثال على شخص عاش بمفرده لكنه لم يشعر بأي وحدة. إن الحنان أو الرأفة هما ما يربطنا بالآخرين قبل أي شيء. فقد يشعر بعض الأشخاص ممن يبدو أن لديهم الكثير من الأصدقاء والمعجبين بعزلة شديدة مع ذلك. وأود أن أذكر مثل هؤلاء الأشخاص أن الترياق الوحيد لمثل هذه الوحدة هو موقفهم الداخلي من المودة، والاهتمام، والحنان تجاه إخوانهم من البشر. (2) مستويان من الرضا
تكشف هذه الاعتبارات أننا حين نتحدث عن السعادة، فإننا غالبا ما نخلط بين حالتين مختلفتين تماما ومستقلتين إلى حد كبير، ومستويين، من الرضا. فمن ناحية ما، لدينا تلك المشاعر الممتعة التي تنبع من التجارب الحسية. وتسهم كل من الثروة والصحة والصداقة إلى حد كبير في تكون مثل هذه المشاعر لدينا. ومن ناحية أخرى، ثمة مستوى أعمق للرضا لا ينبع من المحفزات الخارجية بل من حالتنا النفسية ذاتها. هذا هو المستوى الثاني من الرضا، الذي ينبع من داخلنا، وهو ما أعنيه عندما أتحدث عن السعادة البشرية الحقيقية.
نظرا لأن النوع الأول من الرضا يعتمد على التحفيز الحسي، فإنه هش وعابر بطبيعته. ذلك أن هذه المتع لا تدوم إلا بقدر دوام التحفيز الحسي، وعندما يتوقف التحفيز، لا يكون لها أي دور دائم في إحساسنا العام بالرفاهية. على سبيل المثال، يقضي كثير من الناس وقتا طويلا في مشاهدة الفاعليات الرياضية. لكن ما الذي يتبقى لهم بعد انتهاء الفاعلية؟ ما المنفعة الطويلة الأجل التي اكتسبوها؟
تنبع جميع المتع القائمة على التحفيز الحسي عن إشباع رغبة ملحة بمستوى ما. وإذا أصبحنا مهووسين بإشباع تلك الرغبة، فسيتحول هذا في النهاية إلى شكل من أشكال المعاناة. حتى المتعة التي نشعر بها من تناول الطعام تتحول إلى معاناة إذا أفرطنا في الأكل.
لا أريد بهذا أن أقول إن مثل هذه المتع عديمة القيمة تماما، وإنما أرغب فحسب في توضيح أن الرضا الذي تجلبه هو رضا عابر وينطوي على دورات من الرغبة الملحة تتولد من تلقاء نفسها. وفي عالم اليوم المادي الذي نغفل فيه عن القيم المعنوية في كثير من الأحيان، من السهل للغاية أن نقع في عادة السعي المستمر وراء التحفيز الحسي. غالبا ما ألاحظ أنه إذا لم يكن الناس يستمعون إلى الموسيقى، أو يشاهدون التلفزيون، أو يتحدثون في الهاتف، أو غير ذلك من الأفعال، فإنهم يشعرون بالملل أو القلق ولا يعرفون شيئا آخر يقومون به. وذلك يشير إلى أن إحساسهم بالرفاهية يعتمد بشكل كبير على مستوى الرضا الحسي.
فماذا عن المستوى الآخر؛ المستوى الداخلي للرضا؟ من أين ينبع؟ وكيف يمكن الوصول إليه؟ حسنا، إن السعادة الحقيقية تستلزم أولا راحة البال أو درجة من الهدوء النفسي. وعندما يتحقق ذلك، تهون المشقة. فمع القوة النفسية والاستقرار المستمدين من السلام الداخلي، يمكننا أن نتحمل جميع أنواع الشدائد.
Неизвестная страница