وتسمى أيضا العرب العرباء برغم أن لغتها لم تكن عربية، وأنها تعلمت العربية من البائدة، وتعرف أيضا بعرب الجنوب؛ لأنها اتخذت جنوب بلاد العرب مقرا لها، وقد يطلق عليها بسبب ذلك اسم العرب اليمنية أيضا، كما يطلق عليها أيضا اسم السبئية نسبة إلى أشهر دولها سبأ، وأكثر ما توصف به في كتب مؤرخي العرب هو القحطانية نسبة إلى جدها الأولى قحطان، فقد ورد في كتاب سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب للبغدادي الشهير بالسويدي أن قحطان هذا هو ابن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام، وأنه أنجب من الأولاد جرهم والسلف وحضرموت ويعرب الذي أنجب سبأ الذي أنجب حمير ... إلخ، والظاهر أن قحطان هو تحريف ليقطان
Joctan
الذي ورد ذكره في الإصحاح 10 آية 25، 26 من سفر التكوين في صدد الكلام عن قبائل بني نوح الذين تفرقت منهم الأمم في الأرض بعد الطوفان.
ولا نستطيع أن نجزم من أي بقعة من الأرض أتى هؤلاء القحطانيون قبل أن يستقروا في إقليم اليمن، فلقد كان يرجح - كما أشرنا آنفا - أنهم جاءوا من الحوض الأدنى لنهري دجلة والفرات حيث إقليم كلديا ، وأنهم كانوا يتكلمون بادئ ذي بدء إحدى اللهجات الكلدانية. وأنهم جاءوا عن طريق البر وما زالوا يضربون في الصحاري حتى أغراهم خصب اليمن بالاستقرار فيها، وقد تكانفوا مع بعض أعداء دولة معين حتى أسقطوها، وطبيعي أن هذا تم بعد أن عاشوا في اليمن على حالتهم البدوية مدة طويلة.
ولكن الأستاذ فلبي
آخر من كتب عن تاريخ العرب في عصر ما قبل الإسلام كتابا مستقلا صدر بالإسكندرية سنة 1943 يذهب إلى أن عرب الجنوب لم يجيئوا من مكان آخر، وأنهم الأصل في العرب بدليل أن العرب القدماء أنفسهم كانوا يطلقون على عرب الشمال لفظ المستعربة؛ أي الدخلاء في العروبة، وأن الهجرات بدأت منهم في الجنوب إلى أطراف الهلال الخصيب حيث العراق والشام وفلسطين وحتى مصر، وأن لغتهم - وقد فحص نحو 6000 نقش مكتوب بها - لا تختلف كثيرا عن العربية الشمالية، ولا تعدو أن تكون شكلا قديما للشمالية التي اختفت منها كلمات لم تعد مستلزمات الحياة تتطلبها تتعلق بآلهة الوثنية وأعمال الري والزراعة وتجارة البخور تلك التي كانت من مفاخر بلاد العرب القديمة (راجع كتابه «ظهير الإسلام»
Background of Islam ). ويجدر بنا أن نذكر هنا أن الأستاذ فلبي يعرف بلاد العرب الحديثة جيدا ويحذق من تاريخها القديم وجغرافيتها وتقاليدها ولغتها الدارجة ما لا يحذقه إلا الأقلون من المستشرقين.
كذلك لا نعرف في أي وقت سكنوا أرض اليمن، فقد اكتفى الدكتور «نلدكه»
Noldeke - وهو حجة في تاريخ العرب - في تاريخ المؤرخين للعالم بأن قال: إنه في الألف الثاني قبل الميلاد قد مهدت بلاد اليمن - مقر السبئيين والحميريين - بسبب صلاحيتها للزراعة السبيل لظهور مدنية خلفت وراءها آثارا ذات مبان ضخمة ونقوش عديدة لا تزال تثير إعجابنا، ثم إن اليونان والرومان كانوا على حق إذ سموا هذه الأقاليم بلاد العرب السعيدة، وأشار إلى نصوص كثيرة في التوراة تشير إلى عظمة السبئيين، وخص بالذكر قصة ملكة سبأ وزيارتها سليمان الواردة في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول، ثم قال: إن الشطر الأكبر من غنى سبأ يرجع إلى اتجارها في بعض المواد ذات الرائحة الزكية، وخاصة البخور الذي كان يحتاج إليه في المعابد، والذي ورد ذكره في كثير من أسفار التوراة، ثم قال: إن هذه المتاجر كانت تنقل إلى الشمال في طرق القوافل وأنهم حصلوا أخيرا على بعض نقوش في شمال الحجاز تشير إلى أن السبئيين كانت لهم محطات تجارية ثابتة، وإلى أنهم كانوا يمارسون بعض النفوذ على بقية بلاد العرب إبان سطوتهم، وأن آثار ذلك النفوذ كانت واضحة وخاصة في الجزء الغربي حيث كانت تمر طرق القوافل.
ويرجع الدكتور نلدكه أسباب تدهور اليمن إلى عدة مسائل، وهو لا يرى فيما يقوله مؤرخو العرب من إرجاع ذلك إلى تصدع سد مأرب تعليلا كافيا للتدهور، وهو يعتقد أن تصدع السد لم يكن سببا للتدهور، إنما كان نتيجة له ولما صحب التدهور من إهمال شأنه، وهو جزء ضروري للري المنتظم، وهو يميل إلى الرأي القائل بأن هجرة اليمنيين إلى الشمال التي تمت في القرن الثاني الميلادي كانت من عوامل ذلك الانحلال.
Неизвестная страница