وفي سنة 1134 نجد كتابا عظيما يؤلفه في الفلك عالم يهودي يدعى «إبراهيم بن حيا» في مارسليا، وفي ذلك الوقت بينما كانت جامعة أكسفورد تقرر تدريس جزء صغير من الكتاب الأول لأقليدس نجد أن علماء قرطبة وطليطلة يؤلفون الكتب في نظرية الأعداد، وفي حساب المثلثات الكروي.
وفي سنة 1158 نجد رجلا يدعى «ربى بن عزرا» يسافر إلى إنجلترا ومصر، وينقل إلى أوروبا الجبر والكسور العشرية، وفي القرن الثالث عشر نجد أسماء أخرى مثل «موسى بن طبون» و«يوحنا هسبالنسس» وهما من اليهود الذين كان ينقلون من العربية إلى اللاتينية مؤلفات: أقليدس، وبطليموس، وأرخميدس، وأبقراط، وجالينوس.
وكان جميع الناقلين من اليهود ما عدا قليلين من المسيحيين مثل «ادلهار» الذي ادعى الإسلام ليتعلم في قرطبة و«ليوناردو بيزو» و«ليوناردو فيبوناكي» و«جريجوري كريمونا».
وكما قلنا آنفا: إن الفلك ارتقى عند العرب أكثر مما ارتقى عند الإغريق، ونعرف أن «رجيبومونتانس» الذي سبق «كوبرنيكوس» تعلم الفلك من مصادر عربية.
وفي نفس السنة التي ظهر فيها مؤلف كوبرنيكوس في الفلك ظهر فيها أيضا كتاب ألفه فساليوس عن «مصنع الجسم الإنساني» فكان رائدا جديدا للطب الحديث، وفي هذا الكتاب نجد أن فساليوس يعتمد كثيرا على المؤلفات العربية والعبرانية، ويدعو إلى التجربة والتشريح اللذين بدأ بهما الطبيب اليهودي «موندينو» في بولونيا حوالي سنة 1300، ومدرسة بولونيا الطبية تأسست سنة 1156 والذي قام بتأسيسها يهود أسبانيون، وهذا ما حدث أيضا في المدرسة الطبية في مونبلييه سنة 1228.
وفي مدينة سالرنو أيضا قبل هذا التاريخ، وفي سالرنو هذه استخدم فريدريك الثاني طائفة من العلماء اليهود في ترجمة الكتب العربية الطبية والرياضية إلى اللغة اللاتينية.
وكان نقل الفلسفة الإغريقية من العربية إلى اللاتينية قد بعث رجال الدين في أوروبا منذ سنة 1350 إلى البحث عن الكتب الإغريقية القديمة لكي يعتمدوا عليها في البلاغة والجدل الديني، وذلك؛ لأن العرب لم يبالوا بهذه الكتب، وإنما كانت عنايتهم متجهة نحو درس العلوم الطبية والرياضية الإغريقية.
وعلى كل حال نجد أنه عندما شرعت أوروبا في درس الإغريق القدماء كانت الثقافة العربية قد وجهتها نحو درس العلوم التي رقي بها العرب إلى مستوى أعلى من مستواها السابق أيام الإغريق القدماء.
ومن هنا نعرف أن أساس النهضة العلمية في أوروبا هي النزعة التجريبية التي نزع إليها العرب ونقلها اليهود إلى أوروبا، فكانت البذرة الصالحة للحضارة الصناعية الراهنة.
الحركة البشرية الثانية
Неизвестная страница