وَأما من يَجْعَل السّنة طبيعية والشهر عدديا فَهَذَا حِسَاب الرّوم والسريانيين والقبط وَنَحْوهم من الصابئين وَالْمُشْرِكين مِمَّن يعد شهر كانون وَنَحْوه عدديا وَيعْتَبر السّنة بسير الشَّمْس
فَأَما الْقسم الرَّابِع فبأن يكون الشَّهْر طبيعيا وَالسّنة عددية فَهُوَ سنة الْمُسلمين وَمن وافقهم.
ثمَّ الَّذين يجْعَلُونَ السّنة طبيعية لَا يعتمدون على أَمر ظَاهر كَمَا تقدم بل لَا بُد من الْحساب وَالْعدَد وَكَذَلِكَ الَّذِي يجْعَلُونَ الشَّهْر طبيعيا ويعتمدون على الِاجْتِمَاع لَا بُد فِيهِ عِنْدهم من الْعدَد والحساب ثمَّ مَا يَحْسبُونَهُ أَمر خَفِي ينْفَرد بِهِ الْقَلِيل من النَّاس مَعَ كلفة ومشقة وَتعرض للخطأ
فَالَّذِي جَاءَت بِهِ شريعتنا أكمل كل الْأُمُور لِأَنَّهُ وَقت الشَّهْر بِأَمْر طبيعي ظَاهر عَام يدْرك بالأبصار فَلَا يضل أحد عَن دينه وَلَا يشْغلهُ مراعاته عَن شَيْء من مَصَالِحه وَلَا يدْخل بِسَبَبِهِ فِيمَا لَا يعنيه وَلَا يكون لأحد طَرِيق إِلَى التلبيس فِي دين الله كَمَا يفعل بعض عُلَمَاء أهل الْملَل بمللهم
وَأما الْحول فَلم يكن لَهُ حد ظَاهر فِي السَّمَاء فَكَانَ لَا بُد فِيهِ من الْحساب وَالْعدَد فَكَانَ عدد الشُّهُور الْهِلَالِيَّة أظهر وأعم من أَن يحْسب سير الشَّمْس وَتَكون السّنة مُطَابقَة للشهر وَلِأَن السنين إِذا اجْتمعت فَلَا بُد من عَددهَا فِي عَادَة جَمِيع الْأُمَم إِذْ لَيْسَ للسنين إِذا تعدّدت حد سماوي يعرف بِهِ عَددهَا فَكَانَ عدد الشُّهُور مُوَافقا لعدد الشُّهُور ثمَّ جعلت السّنة اثْنَي عشر شهرا بِعَدَد البروج الَّتِي تكمل بدور الشَّمْس فِيهَا شمسية فَإِذا دَار الْقَمَر فِيهَا كمل دورته السنوية
وَبِهَذَا كُله تبين معنى قَوْله ﴿وَقدره منَازِل لِتَعْلَمُوا عدد السنين والحساب﴾. فَإِن عدد شهور السّنة وَعدد السّنة بعد السّنة إِنَّمَا أَصله تَقْدِير الْقَمَر منَازِل. وَكَذَلِكَ معرفَة الْحساب فَإِن حِسَاب بعض الشَّهْر لما يَقع فِيهِ من الْآجَال وَنَحْوهَا إِنَّمَا يكون بالهلال وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ﴿قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس وَالْحج﴾
1 / 62