مَعْدُودَة اثنى عشر والشهر هلالي بالاضطرار فَعلم أَن كل وَاحِد مِنْهَا مَعْرُوف بالهلال.
وَقد بَلغنِي أَن الشَّرَائِع قبلنَا أَيْضا إِنَّمَا علقت الْأَحْكَام بِالْأَهِلَّةِ وَإِنَّمَا بدل من أتباعهم كَمَا يَفْعَله الْيَهُود فِي اجْتِمَاع القرصين وَفِي جعل بعض أعيادها بِحِسَاب السّنة الشمسية وكما تَفْعَلهُ النَّصَارَى فِي صَومهَا حَيْثُ تراعي الِاجْتِمَاع الْقَرِيب من أول السّنة الشمسية وَتجْعَل سَائِر أعيادها دَائِرَة على السّنة الشمسية بِحَسب الْحَوَادِث الَّتِي كَانَت للمسيح وكما يَفْعَله الصابئة وَالْمَجُوس وَغَيرهم من الْمُشْركين فِي اصْطِلَاحَات لَهُم فَإِن مِنْهُم من يعْتَبر بِالسنةِ الشمسية فَقَط وَلَهُم اصْطِلَاحَات فِي عدد شهورها لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت طبيعية فشهودها عددي وضعي. وَمِنْهُم من يعْتَبر القمرية لَكِن يعْتَبر اجْتِمَاع القرصين.
وَمَا جَاءَت بِهِ الشَّرِيعَة هُوَ أكمل الْأُمُور وأحسنها وأبينها وأصحها وأبعدها من الِاضْطِرَاب. وَذَلِكَ أَن الْهلَال أَمر مشهود مرئي بالأبصار وَمن أصح المعلومات مَا شوهد بالأبصار وَلِهَذَا سموهُ هلالا لِأَن هَذِه الْمَادَّة تدل على الظُّهُور وَالْبَيَان إِمَّا سمعا وَإِمَّا بصرا كَمَا يُقَال أهل بِالْعُمْرَةِ وَأهل بالذبيحة لغيره إِذا رفع صَوته وَيُقَال تهلل وَجهه إِذا استنار وأضاء وَقيل إِن أَصله رفع الصَّوْت ثمَّ لما كَانُوا يرفعون أَصْوَاتهم عِنْد رُؤْيَته سموهُ هلالا وَمِنْه قَوْله
(يُهِلّ بالفرقد رُكْبانُها ... كَمَا يُهلّ الرَّاكِب الْمُعْتَمِر)
وتهلل الْوَجْه مَأْخُوذ من اسْتِنَارَة الْهلَال.
فالمقصود أَن الْمَوَاقِيت حددت بِأَمْر ظَاهر بَين يشْتَرك فِيهِ النَّاس وَلَا يُشْرك الْهلَال فِي ذَلِك شَيْء فَإِن اجْتِمَاع الشَّمْس وَالْقَمَر الَّذِي هُوَ تحاذيهما الْكَائِن قبل الإهلال أَمر خَفِي لَا يعرف إِلَّا بِحِسَاب ينْفَرد بِهِ بعض النَّاس مَعَ تَعب وتضييغ زمَان كثير واشتغال عَمَّا يَعْنِي النَّاس ومالا بُد مِنْهُ وَرُبمَا وَقع فِيهِ الْغَلَط وَالِاخْتِلَاف.
1 / 60