أما الآنسة فاطمة سالم، تلك الفتاة الرقيقة القادمة من زنجبار، التي درست اليونانية واللاتينية في الجامعة المصرية، فإنها تقول إنها حريصة على أن تواصل تعليمها لتحصل على درجة الماجستير، ولتستطيع بعد ذلك أن تنقل إلى العربية من روائع اللغتين القديمتين ما تستطيع نقله، وإنها حريصة على بذل ما في وسعها لإصلاح حالة مجتمعها وحالة المرأة فيه.
وأما الآنسة زهيرة عبد العزيز - التي تخرجت هي وزميلتها الآنسة فاطمة فهمي في قسم الاجتماع - فإنها تحكي أن موظفا مصريا كبيرا زار الكلية قبل موعد امتحان الليسانس بشهرين، وأنه قد استولت عليه الدهشة عندما علم - لما رآهما - أن في الجامعة طالبات، ثم استولى عليه ما يشبه الذعر عندما سمع أن الآنسة زهيرة تريد أن تعمل في بنك مصر، وأن الآنسة فاطمة تريد أن تعمل في وزارة الخارجية!
وأما الآنسة سهير القلماوي فهي ترى، ردا على السؤالين، أن ثقافة المرأة مثل ثقافة الرجل لا ينبغي أن تقف عند أي حدود، وهي شخصيا ستواصل الدراسة للحصول على درجة الماجستير في الآداب ثم درجة الدكتوراه، وأما الميادين التي يمكن للفتاة المصرية المتعلمة أن تنفع فيها بلادها فهي كثيرة وواسعة، وهي شخصيا ترغب في أن تعمل في ميدان الإصلاح الاجتماعي وأن تكرس جهدها لإصلاح حالة المرأة. •••
وطه حسين يتحدث - في منزله - مع والده الذي حضر هو ووالدته إلى القاهرة ليقضيا في زيارته بضعة أيام كما كانا يفعلان بين الحين والحين. يسأله والده عن غضبه من أخيه الأصغر عبد العزيز غضبا وصل إلى حد القطيعة، ما سببه؟ إن عبد العزيز لم يفعل شيئا حرمه الله عندما تزوج بزوجة ثانية، وطه يجادل بأن عبد العزيز لن يستطيع أن يعدل بين زوجتيه، ويقرأ الآية القرآنية الكريمة:
فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة
ولكن الوالد يجادل غير مقتنع، وولده يسأله: «وإذن فلم لم تتزوج أنت اثنتين يا أبي؟»
ويجيب الوالد: «إنها أمك، إنها لن ترضى!» ويبتسم طه حسين ويقول: «لقد حددت لنا طريقا للإصلاح يا أبي، ما كان لأخي عبد العزيز إذن أن يتزوج ثانية حتى يستأذن زوجته الأولى!» •••
ويدخل فصل الصيف، وينتهي طه حسين من إملاء الجزء الأول من كتاب «على هامش السيرة» ويتسلمه الناشر، وتسافر الأسرة لقضاء أيام في فندق بوريفاج برمل الإسكندرية، أما طه حسين فإنه يبقى في القاهرة، فلم يكن مستطيعا أن يترك عمله في الجريدة، وسيبقى في القاهرة طوال الصيف وحيدا، وسيقبل الخريف وهو عاكف على العمل في الجريدة، وفي الخريف تنقل إليه البرقيات من باريس أن عدلي باشا يكن قد مات هناك، ويتأثر طه حسين بهذا الخبر تأثرا شديدا حتى يتأخر وصوله إلى الجريدة على غير عادته، ويتحدث إلى صديق له عند وصوله إليها فيقول: «إن الحياة لا قيمة لها والعمر قصير، ولو بلغ الرجل التسعين فإنه يموت طفلا»، ويملي رثاءه لعدلي يكن فيقول: «إن عدلي يكن رجل أحب مصر واحترم شعب مصر، ونزل دائما على أحكام الدستور الذي ارتضاه هذا الشعب.» ويسجل طه حسين ذلك في جريدة الوفد في مقال نابض بالحزن، يختتمه بهذا الابتهال: «اللهم لا راد لما قضيت، ولا مانع لما أمضيت، ولا منكر لحكمتك، ولا معقب لأمرك، وإنما هو الإذعان لقوتك البالغة يعصمنا من الجهل، والطمع في رحمتك الواسعة يعصمنا من اليأس.»
واهتمام طه حسين بالعالم العربي مستمر، مقاله الرئيسي يوم 18 أكتوبر سنة 1933 يكتبه عن فلسطين، يستنكر ما ينزله الإنجليز بأهلها من مظالم، ويقارن ذلك بما أنزلوه من الظلم بمصر، وينبه إلى أن تضامن مصر مع فلسطين هو صالح مشترك، يلح في الدعوة إليه وينذر بالعواقب الخطيرة التي سيشهدها المستقبل إن نحن قصرنا فيه.
ويكتب عبد العزيز الثعالبي الزعيم الوطني التونسي فصولا متتابعة عن بلاده تنشرها له «كوكب الشرق»، كما تنشر العديد من الأخبار والمقالات عن البلاد العربية الأخرى.
Неизвестная страница